لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة في مختلف ميادين العقائد والاخلاق والاحكام ومن ذلك، دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الي مقطع ورد فيه: (يا موفي العهد يا عالم السر يا خالق الحب يا رازق الانام).
ان كلا من هذه الصفات او الاسماء او المظاهر من عظمة الله تحدد لنا ميدانا من ميادين المعرفة في حقل العقائد وسواها، ويعنينا ان نحدثك عن كل منها ونبدأ اولاً بالحديث عن عبارة (يا موفي العهد) فماذا نستلهم منها؟
قبل ان نجيبك عن السؤال المرتبط بعبارة (يا موفي العهد) نذكرك بعبارة سبقتها وهي (يا صادق الوعد) وهي عبارة حدثناك مفصلاً عنها في لقاء سابق، أما الآن فنبين فحسب ارتباط هاتين العبارتين مع بعضهما فنقول:
إن صدق الوعد وايفاء العهد يشتركان في دلالة متماثلة تقريباً هي: الالتزام بما جرى من قول حيال الاخر. فاذا واعدت شخصاً بان تلتقيه في الساعة الفلانية او تعده بإنجاز حاجة له تكون حينئذ قد صدرت عن كلام هو: ان يتحقق حصوله، أما لو ضمنت له مثلا بأن تـُنجز له الحاجة المذكورة او حلفت مثلاً بانجازها كما لو قلت (علي عهد الله) لأ ُوفين لك بما ضمنته لك، حينئذ تكون قد مارست سلوكا لفظيا هو (العهد)، بينما تكون في حالة قولك بأن تلتقيه الساعة الفلانية قد مارست سلوكاً لفظياًَ هو: (الوعد).
و المهم هو الالتزام بما وعدت او عهدت او عاهدت.
ًًوالآن، اذ نقلنا الحقيقة المتقدمة من نطاقها البشري الي الساحة الالهية نجد أن عبارة (يا موفي العهد) تنسحب علي ما ضمنه الله لعباده من الوفاء بتحقق الضمان المذكور: كعهد الله مثلاً بأن يرزق عباده.
و هذا هو احد معاني العهد سواء كان من الجانب البشري او الالهي.
و عن دلالة اخري لمفهوم (العهد)، ينبغي أن نعرض له ألا وهو: "الوصية" وهذا كما نلاحظ مثلا في قوله تعالي: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ» وفي ميدان الالتزام البشري نجد أن الله تعالي يقرر هذه الحقيقة وهي: «وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً»، فالعهد هنا يأتي في سياق آخر هو: ايفاء العهد من البشر قبالة ما ينبغي من الالتزام بما عهده تعالي من حيث وصيته تعالي بعدم أكل مال اليتيم مثلاً وهكذا.
والمهم هو ما يرتبط بتعامل الله تعالي حيال عباده، وهو انه تعالي موف لعباده بما عهده اليهم من مختلف الجزاءات المترتبة علي سلوكهم العبادي المأمور به وهذا احد مظاهر عظمته المتمثله في رحمته تعالي غير المحدودة.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا عالم السر) فماذا نستلهم منها؟
لا نحتاج الي مزيد لتأمل حتي ندرك سريعاً بأن الله تعالي، ما دام عالماً بكل شيء ولا حدود لعلمه تعالي، حينئذ فان التشدد علي انه عالم السر يحملنا متداعيين باذهاننا الي اهمية هذا العلم وإنعكاساته علي سلوكنا، انه تعالي يقرر في سياقات اخري انه عالم بالعلن وبالسر من سلوكنا ولكنه حينما يخص فقرة ما بالعلم بالسر فهذا يعني انه تعالي يستهدف لغة نظرتا الي ضرورة ان نلتزم بعبادته مطلقا وليس في العلن قبلاً: بصفة ان الشخصية من الممكن ان تتحرز في العلن دون السر وهذا مايتنافي والالتزام الحقيقي بعبادته تعالي.
اذن ثمة ملاحظة مهمة في عبارة يا عالم السر في استهدافها تعديل سلوكنا العبادي بنحو مطلق.
ختاماً نسأله تعالي ان يوفقنا الي ممارسة الطاعة والتصاعد بها الي النحو المطلوب.
*******