لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة العبادية في ميدان العقائد والاخلاق والاحكام، ومن ذلك دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثنهاك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا الى مقطع ورد فيه ما يأتي: (يا غفار الذنب، يا قابل التوب، يا خالق الخلق، يا صادق الوعد...).
العبارتان الاولييان من هذا النص، هما: (يا غافر الذنب) و(يا قابل التوب)، وهما عبارتان نحسب ان أحداً منا لا يجهل دلالهما البتة، أنهما تتحدثان عن غفران النب وقبول التوبة، فهل يحتاج الموقف الى بيان او تعقيب؟
ان (غفران الذنب) ليس من الظواهر التي تغيب عن البال، لانه: تحديد للمصير البشري في الحياة الابدية الخالدة، سبب ذلك هو: ان الشخصية عندما يتحدد مصيرها ايجابياً ان شاء الله تعالى، اي ممن يُغفر ذنبها: فهذا يعني انها سوف تظفر بمعطيين، اولهما: رضاه تعالى، والاخر: الجنة، وهل شيء غير ذلك يتطلع اليه الانسان؟ كلا، واما عكس لك فهو: الطامة الكبرى، حيث لا يمكن للقلم او اللسان ان يفصح عن هول ذلك.
اذن، غفران الذنب معناه: رضاه تعالى والدخول الى الجنة، هنا، نطرح السؤال الآتي: هل يمكن للشخصية ان تحيا في مصيرها الابدي بمنأى عن رضاه تعالى والجنة؟
لنفترض ان الشخصية أزيحت عن النار، ولكن هل يمكنها ان تحيا حياة ابدية غير مقترنة برضاه تعالى؟ هل يمكنها ان تحيا في بيئة تقترن بالنظرات المحقرة للشخصية؟
اي، نظرات المؤمنين وحتى نظرات المنحرفين الذين يتلامون فيما بينهم نتجة انحرافهم في حياتهم الدنيوية؟ كلا والف كلا.
اذن، لا يمكن ان يصف اللسان او القلم هول وهوان الحياة بدون رضاه تعالى والجنة، وهذا فيما يرتبط بحياة الانسان ابدياً، ولكن ماذا بالنسبة الى عظمة الله تعالى ورحمته وهو غافر الذنب؟
ان غفران الذنب تعبير واضح عن عظمة الله تعالى في ميدان رحمته التي لا حدود لها، ان غفران الذنب هو: صفح وعفو منه تعالى حيال العبد المنحرف، وهل ثمة رحمة اوسع من ذلك؟ كلا، والف كلا.
والآن لنتجه الى العبارة الاخرى، فماذا نواجه؟ تقول العبارة (قابل التوب)، ترى: ماذا نستخلص منها؟
هنا نتساءل، اذا كان الله تعالى (غافر الذنب) فماذا تعني عبارة (قابل التوب)؟
ألا يعني ذلك بان غفران الذنب إنما هو مترتب على قبول التوبة مكن المذنب، وحينئذ نتساءل: ما هي النكتة الكامنة وراء عبارة (قابل التوب) مادامت مترتبة على عبارة (غافر الذنب)؟
الجواب: ان الله تعالى من حيث سعة رحمته ولا محدود فيها قد يغفر الذنوب حتى لو فرضنا ان العبد كان غافلاً عن مفهوم التوبة او غير مستحضر لفاعليتها بعد صدور الذنب، أو لنقل: ان العبد من الممكن أن ينسى ذنوبه فلا يخطر على ذهنه ان يتوب.
أو لنقل ان العبد لا يدرك بانه قد مارس ذنوباً، وفي هذه الحالات جميعاً، فانه تعالى (يغفر) ذنوب العبد لان رحمته لا حدود لها، وهذا يعني: انه تعالى يشمل برعايته كل عباده: بغض النظر عن وعيهم لمفهوم التوبة أو عدمها.
قبالة ذلك تجئ ظاهرة (قبول التوب) ممن وعى ذنبه او استغفر منه، وتاب توبة نصوحاً، اي: ان عبارة (قابل التوب) تعني: ان العبد اذا بلغ ذنبه ما بلغ، فان عدم يأسه من رحمته تعالى: يفصح عنه بانه تعالى يغفر ذنوب العبد حتى في آخر مرحلة من حياته: وهذا هو منتهى الرحمة، كما هو واضح.
اذن، ما اعظم رحمة الله تعالى، وما اسعدنا حين نظفر بغفران الذنب، وبقبوله تعالى لتوبتنا؟ اللهم انا نتوب اليك، فاغفر ذنوبنا، واقبل توبتنا، ووفقنا للمارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******