نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الان عن مقطع جديد يبدأ على النحو الآتي: (يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا غافر الذنب، يا قابل التوب...).
ان هذا المقطع من الدعاء يتضمن جملة مظاهر من عظمة الله تعالى ورحمته، وإليك الان اولاً: الحديث عن العبارتين الاوليين، وهما: (يا فارج الهم، يا كاشف الغم)، فماذا نستلهم منهما؟
هاتان العبارتان تتناولان نمطين نت الشدة، اولهما: (الهم) والآخر (النعم)، والمطلوب الآن هو: أن نوضح الفارق بين كل منهما، اي:الهّم وافتراقه عن الغم. هذا اولاً، اما ثانياً فعلينا ان نوضح النكتة البلاغية الكامنة وراء عبارة (فارج) وافتراقها عن عبارة (كاشف)، اي: لماذا قال النص (فارج الهم) بينما قال (كاشف الغم) هذا ما نبدأ بتوضيحه. ولنتحدث اولاً عن الفارق بين (الهم) و (الغم)، فماذا نستخلص؟
يقول اللغويون بالنسبة الى تفريقهم بين (الغم) و (الهم)، بأن (الغم) مالايقدر الانسان على ازالته كموت المحبوب. واما (الهم)فهو ما يستطيع الانسان ازالته: كالافلاس مثلاً.
هذا الى ان بعضاً من اللغويين يذهب الى فارق آخر هو: ان (الغمّ) بتحقق بعد نزول الشدة واما (الهم) فقبل نزول الشدة، ويترتب على هذا ان الغم لا يتسبب في طرد النوم مثلاً، بينما الهم يجعل الشخصية ساهرة لا يتاح لها النوم، ويستشهد اللغويين بالآية القرآنية الكريمة «كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا» اي: بمعنى ان الغم هو مالا يمكن ازالته.
المهم اذا ادركنا هذه الفروق يمكننا ان نفسر مثلاً لماذا جاء بالنسبة الى (الغم) مصطلح (يا كاشف)، بينما جاء بالنسبة الى (الهم)مصطلح (يا فارج)؟
لكن قبل ذلك ينبغي ان نحدثك عن اهمية هذين النمطين من الشدة من حيث انه تعالى: يفرج ويكشف كلاً من الشدتين المتقدمتين.
من الواضح، ان اية شدة إنما هي اذى للانسان، يتطلع الى ازاحته، يستوي في ذلك ان تكون الشدة هي موت للمحبوب أو الافلاس، ولاشك، ان النص الدعائي المذكور يستهدف الاشارة الى ان الله تعالى برحمته يتفضل علينا بازاحة الشدائد جميعاً مهما كان نمطها، اذا ادركنا ذلك، فعلينا الان ان نوضح السبب الذي جعل العبارة الاولى من الشدة وهي (يا فارج الهم) تستخدم المصطلح (فارج)، بينما تستخدم (كاشف) بالنسبة الى (الغم)؟
في تصورنا، ان الهم بما انه يستطيع الانسان ازالته كما لو اغتنى بعد الفقر، أو انه يستتبع سهراً، حينئذ فان الشدة المتمثلة في السهر، او المتمثلة في الفقر، تتطلب (تخلصاً) وهروباً منه، وهو ما ينسحب على كلمة (الفرج)، اي: التخلص من الشدة كما اوضح اللغويون ذلك، فاذا زال الفقر عن الشخصية او الديّن مثلاً حينئذ تتخلص من الدين وهمه، والمسؤولية المترتبة على ذلك.
اما (الغم) فبما انه شدة استمرارية و انه لا سبيل على استرداد مافات منه (كالموت) مثلاً، حينئذ فان الموقف يتطلب (كشفاً) لذلك السحاب الكثيف الجاثم على صدر الشخصية، فاذا كانت غيوم (موت المحبوب) تغطي صدر الشخصية، فلا سبيل الى ازاحتها الا (كشفها)، اي: ازالة السحاب، ولذلك جاء مصطلح (كاشف) بالنسبة الى (الغم) في عبارة (يا كاشف الغم).
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الاسرار الكامنة وراء عبارتي (يا فارج الهم) و(يا كاشف الغم) من هنا: نسأله تعالى ان يفرج همومنا ويكشف غمومنا، ويوفقنا الى الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******