لانزال نحدثك عن الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة العبادية في ميدان الاخلاق والعقائد والاحكام، ومن ذلك: دعاء (الجوشن الكبير)، حيث يتضمن مائة مقطع، وكل مقطع يتضمن عشر صفات او عشرة أسماء او مظاهر من عظمة الله تعالى،.. وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة من الدعاء، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي يتضمن جملة مظاهر، منها ما يأتي: (يا مبيّن، يا مهوّن، يا ممكّن، يا مزيّن)، والسؤال الآن هو: ماذا تعني هذه السمات؟ لنتحدث اولاً عن سمة (يا مبيّن). فماذا نستلهم منها؟
لا نحسب ان احداً منا لم تمرّ عليه مصطلحات متنوعة تتصل بما هو (مبين) من مبادئ الله تعالى، انه تعالى طالما يشير الى نزول القرآن، موضحاً بانه كتاب (مبين)، وهذا ايعني انه يستهدف الاشارة الى ان كل شيء هو (مبيّن) في كتابه تعالى، وفي احاديث المعصومين عليهم السلام، والنكتة في (الامانة) هي: ان العبد القيت عليه الحجة في (تبيين) وظائفه بعد ان قُدِّم لنا ما هو المبيّن من الوظائف وما هو المبيّن من حقائق عظمة الله تعالى في ميدان الابداع وفي ميدان العمل بمبادئ الله تعالى.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا مهوّن)، فماذا نستلهم منها؟
الذي نحسب بان هذه الكلمة ملفتة بشيء من الغموض لاول وهلة، ولكن اذا دققنا النظر بعد ذلك بقليل، سوف نكتشف وضوح هذه الكلمة في دلالتها.
ان (التهوين) هو: التسهيل والتخفيف، اي: ان قارئ الدعاء عندما يواجه كلمة (يا مهوّن) يتداعى ذهنه الى دلالة (يا مسهّل) و(يا مخفف) و(يا ميّسر )، وان هذا التخفيف او التيسير يمكننا ان نتلمسه في ميادين مختلفة، وفي مقدمتها: سهولة الشريعة حيث لاتتضمن الحرج اصلاً، وقد اكدت النصوص الشرعية هذا الجانب، حيث اشارت الى عدم الحرج والعسر، حتى ان ثمة قاعدة شرعية طالما يستند اليها الفقهاء في استدلالهم على حكم ما، بانه يخضع لقاعدة (عدم الحرج) مثلاً.
وهذا في ميدان الوظائف الشرعية ولكن ماذا بالنسبة الى الميادين الاخرى؟
في تصورنا ان الله تعالى (مهوّن) أي: الميّسر والمخفف عن عبده في نيدان قبض روحه او في ميدان التعامل في البرزخ، وفي ميدان التعامل في اليوم الآخر عند الحساب انه تعالى يرأف بعبده كلّ الرأفة، انه تعالى بواسطة رحمته او المعصومين عليهم السلام او الشفاعة و...، يخفف عن عبده بل يمسح عن عبده جميع الآثار المترتبة على سلوك العبد عند محاسبته، حتى ورد بان الله تعالى عند الحساب يعدّد لعبده قائمة ذنوبه، ثم يقول له: لقد سترتها عليك في الدنيا واسترها عليك الآن، فيغفر ذنوبه، حتى ان الملأ حينئذ يقولون بما مؤداه: اما كان لهذا العبد من ذنب؟ تعبيراً عن اندهاشهم عن مصيره السعيد المشار اليه.
بعدها نواجه صفة (يا ممكنّ)، فماذا نستلهم منها؟
ايضاً قد نواجه شيئاً من الغموض لاول وهلة، ولكننا بعد ان نتأمل قليلاً ينتقل ذهننا الى ان ّ الله تعالى (يمكّن) لعباده: ما يحسبونه صعباً او ممتنعاً، كما يخفف عنهم الحساب او الوظيفة، كذلك (يمكّن) لهم: سُبل تأدية وظائفهم وممارسة سائر ما يحتاجونه في غمرة عملهم العبادي.
بعد ذلك نواجه كلمة (يا مزّين)، وهي كلمة بدورها تتماثل مع سابقاتها في ملاحظة الغموض أولاً، ثم: الوصول سريعاً الى فهم دلالتها، (وهو ما نحدثك عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى ).
ختاماً نسأله تعالى ان يهوّن علينا الحساب، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******