نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: الدعاء الموسوم بـ (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا الى احد مقاطعه القائل: (يا ذا الجود والاحسان، يا ذا الفضل والامتنان) الى ان يقول: (يا ذا الامن والامان) وهذه هي السمة او المظهر او الاسم الذي سنتحدث عنه الآن، فنقول: لعلك تتساءل عن الفارق بين (الامن) و (الامان)، مع انهما يستخدمان بدلالة واحدة... اذن ما هو الفارق بين هاتين العبارتين؟
بالنسبة الى (الامان)، فإن استخدامها يجيء في سياق خاصّ هو: اعطاء الشخص عهداً بأنه لا خطر عليه، أي: تحسيسه بعدم الخوف ممّا يحذر منه، كما لو اعطيت عهداً للأسير مثلاً بأنه في امان ولا خطر عليه.
وامّا بالنسبة الى (الامن) فان هذه الكلمة اوسع دلالة من كلمة (الامان) ، لان كلمة (الامن) تنسحب على كل ما هو مضادّ للاضطراب والخوف والتوتر والضياع، لذلك فان علماء النفس يستخدمون كلمة (الامن) ليعبّروا بها عن احد الدوافع عند الانسان، الا وهو الدافع الى (الامن)، بحيث يعدّ ثاني دافع من الاهمية او في سلّم دوافع الانسان، ويعتبر (الدافع الى الحياة)، الدافع الاول من الاهمية لانه يعني: الرغبة في استمرارية الحياة او العمر، بينما يجيء (الدافع الى الامن) ثاني دافع مهم، لانه ببساطة يعني، استقرار الانسان، وإلاّ اذا كان الشخص معرّضاً للقتل او العدوان او السرقة: حينئذ لا يبقى طعم للحياة في معيشته، اذن: الدافع الى (الامن) هو: اوضح دلالة من (الأمان)، لان (الامان) واحد من مصاديق (الامن).
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا ذا القدس والسبحان)، فماذا نستلهم من هاتين الصفتين؟
بالنسبة الى (القدس)، فان دلالة الكلمة من الوضوح بمكان، حيث ان (القدس) و(القدسية) وصفة (القدّوس)، تظل من الاسماء الواضحة في دلالتها، لان (المقدّس) هو اطهر ما يمكن تصوّره من الظواهر التي لا يطالها النقص.
وامّا بالنسبة الى (السبحان) فيعني: التنزيه، وهذه الصفة بدورها تظل من الوضوح بمكان، لان تنزيه الله تعالى عن كل نقص: يظل هو السمة التي يتفرّد بها الله تعالى، مع ملاحظة ان التنزيه لا يختص بما هو ضد النقص فحسب، بل ينسحب على تنزيه الله تعالى من الحدوث، لانه تعالى (قديم) و(ازلي): كما هو واضح.
بعد ذلك نتّجه الى عبارة جديدة، وهي: (يا ذا الحكمة والبيان) هنا، نحسبك تتساءل قائلاً ما هو الرابط بين (الحكمة) التي تعني: انه تعالى (حكيم) في ما يخلقه ويبدعه وينشئه من الظواهر، وبين (البيان) الذي يعني انه تعالى (يبيّن) لنا: اوجه الحكمة مثلاً؟
الجواب: ان مجرد ادراكنا بانه تعالى (يبين) لنا المبادئ التي يطالبنا بممارستها، كاف بان ندرك معنى عبارة: (يا ذا البيان)، ليس هذا فحسب، بل انه تعالى يعلّم الانسان (البيان) ايضاً، اي يبيّن لنا الحقائق، ويعلّمنا اياّها، وهذا ما تنطق به الآية المعروفة «عَلَّمَهُ الْبَيَانَ»، وهي عبارة تجئ في السياق الآتي: «الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ».
اذن اتّضح لنا معنى (البيان)، وصلته ايضاً بمعنى كلمة (الحكمة).
بعدها نواجه عبارة: (يا ذا الرحمة والرضوان)، فماذا نستلهم منها؟
(الرحمة) لا تحتاج الى توضيح، لانها الصفة التي يتفّرد بها الله تعالى في، انه (الرحيم) بعباده المؤمنين، و(الرحمن) بمطلق عباده الآخرين. وامّا (الرضوان)، فانها المظهر المتمثل في انه تعالى يرضى عن عباده، ويرضى به المؤمنون، ان الآية المباركة القائلة (رضي الله عنهم ورضوا عنه)، تفسّر لنا عبارة: (الرضوان) التي تشمل نمطي الرضا: كما لاحظناه.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفّقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******