نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة العبادية المتصلة بمختلف سلوك الانسان ومن ذلك: دعاء الصباح للأمام علي(ع) حيث حدثناك عنه في لقاءات سابقة، ونختم حديثنا عنه الان في لقائنا الحالي الا وهو القسم الاخير من دعاء الصباح حيث ختم كما لاحظنا سابقاً بفقرات تقرأ في السجود وحيث تتناول اقراراً من العبد قارئ الدعاء بتصوره وتقصيره وذنوبه وعيوبه ...، وهو ما عبر الدعاء عنه بتعبيرات مثل محجوبية القلب ومعيوبية النفس ومغلوبية العقل، وغلبة الهوى، واخيراً "وهذا ما نتحدث عنه الآن" الاقرار بقلة الطاعة وكثرة المعصية والتساؤل من ثم بهذا النحو (فكيف حيلتي يا ستار العيوب ويا علام الغيوب، ويا كاشف الكروب...)، هذه الفقرات من الدعاء لعلها من الفقرات التي تتكرر في غالبية الادعية، ولكنها في الواقع ذات فاعلية كبيرة في ميدان الدعاء وآدابه ومعطياته المتنوعة.. واذن: لنتحدث عن الفقرات المذكورة الفقرات التي لاحظناها تتضمن ثلاثة توسلات بالله تعالى، مشفوعة بسمات خاصة هي ان الله تعالى ستار العيوب، وانه تعالى علام الغيوب، وانه تعالى كاشف الكروب...
ترى ماذا تعني هذه الفقرات؟
انها من جانب تتصل بما عليه العبد من الشدائد وتتصل من جانبما عليه الله تعالى من الصفات غير المحدودة في عطائها العظيم.
واما ما يتصل بالعبد وشدائده فهي الكروب التي توسل قارئ الدعاء بالله تعالى بان يكشفها عنه ولانحتاج الى كبير تأمل حتى ندرك سريعاً بان الكروب التي يشكو العبد منها هي الذنوب وفعلاً لا كربة اشد من كون العبد يمارس المعصية لكن: ما ينبغي لفت الانتباه عليه هو ملاحظة صفات الله تعالى أي ملاحظة عظمة الله تعالى قبالة ذنوب العبد، ونعني بذلك ما ذكره الدعاء من الصفات المتمثلة في انه تعالى كاشف الكروب المشار اليها وانه تعالى علام الغيوب فضلاً عن انه تعالى ستار العيوب هنا نتساءل قائلين ان صفات الله تعالى متنوعة فما هي النكات الكامنة وراء التشدد في الصفات الثلاث التي لاحظناها؟ أي ستر العيب وكشف الكرب والعلم بالغيب هذا ما نحاول الاجابة عنه الآن ...
من الواضح ان العبد ما دام يشكو او يتمزق الماً او كربة من كثرة ذنوبه حينئذ فان الكشف لتلكم الكروب هو الجواب الذي يتوقعه العبد فما دام العبد مكروباً فان الامل هو كشف كروبه وهذا ما يفسر لنا سبب تشدد الدعاء في صفة كشاف الكروب ولكن ماذا بالنسبة الى صفة ستار العيوب؟
ايضاً المسألة من الوضوح بمكان فمادام الذنب يجسد تضحية للعبد امام الناس وما دام العبد بحسب تركيبته العامة التي ركبها تعالى تقوم على البعد الاجتماعي المرتبط بحاجة العبد الى الاحترام والتقدير والحب حينه لا يتحمل العبد البتة اية حالة تتصل بهوائه الاجتماعي أي لا يتحمل البتة بان يحيا في وسط اجتماعي يحتقره ويهينه ويعيره بذنوبه التي كانت مختصة عن الآخرين ثم ظهرت الملأ ساعة الحساب في اليوم الآخر لذلك فان الحاجة الشديدة التي يتطلع العبد الى ان يشبعها هي عدم فضيحته امام الملأ وهذا ما يتناسب تماماً مع الصفة التي ذكرها الدعاء بالنسبة الى الله تعالى وهو يحاسب عباده الا وهي انه تعالى "ستار العيوب" أي انه تعالى بسبب من عظمته التي لا حدود لها انها عظمة الرحمة بعباده يتفضل بستر عيوبهم حتى يحتفظوا بماء وجوههم امام الملأ.
اذن: امكننا ان نتبين بوضوح فلسفة هذه السمات التي ذكرها الدعاء دون سواها في هذا القسم من دعاء الصباح.
والمهم هو: ان قارئ الدعاء يتعين عليه ان يستثمر قراءته للدعاء المذكور وان يدعو الله تعالى بان يكشف كروبه ويستر عيوبه وهو العالم بالغيب أي ممارسة الانسان لهذا السلوك او غيره وهذا ايضاً يفسر لنا دلالة ما تعنيه صفة "علام الغيوب" والمهم، كما قلنا يتعين على قارئ الدعاء ان يستثمر هذا الجانب وذلك لمحاسبة نفسه وممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******