نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الامام السجاد عليه السلام الذي يقرأ بعد ظهر الجمعة، حيث استهل بقوله: (اللهم اشتر مني نفسي الموقوفة عليك المحبوسة لامرك بالجنة مع معصوم من عترة نبيك(ص) مخزون لظلامته منسوب بولادته تملأ به الارض عدلاً ...).
هذا الاستهلال من الدعاء يتضمن مقطعاً يرتبط بقارئ الدعاء من جانب وبالامام المهدي(عج) من جانب والمطلوب هو ملاحظة هذا الارتباط او العلاقة واستخلاص نكاته المتنوعة ... وهذا ما نبدأ به ..
بالنسبة الى العبارة او الفقرة الاولى نجد انها تتوسل بالله تعالى بان يشتري نفس قارئ الدعاء بثمن هو الجنة، ولكن الملاحظ في هذه النفس هو انها اولاً موقوفة على الله تعالى، وثانياً انها محبوسة لامره، والمطلوب هو الكشف عن النكات الدلالية الكامنة وراء الاستعارات المذكورة وهي عملية الاشتراء وعملية الوقف وعملية الحبس ....
ونبدأ بالحديث عن الاولى وهي اشتراء الله تعالى النفس من قارئ ادعاء ... فماذا تعني عملية الاشتراء؟ ..
ان عملية الشراء والبيع امر نألفه يومياً فهناك سلعة او خدمة وهناك ثمن حيالها وهنا البائع هو قارئ الدعاء واما المشتري فهو الله تعالى ...
هنا سوف يصعق المتأمل لهذه العملية عملية اشتراء الله تعالى نفس قارئ الدعاء ان المشتري حيث يكون هو الله تعالى فان القلم او اللسان ليعجز تماماً عن بيان الأهمية العظمى لهذا الاشتراء ان المشتري هو الله تعالى ...
اذن: ما اسعد قارئ الدعاء اذا كان المشتري هو الله تعالى الا يضطرب قارئ الدعاء الا يذهل فعلاً عندما يجد نفسه انه يتحدث مع الله تعالى ويطلب منه ان يشتري نفسه؟ هذا ما يعجز الملاحظ عن تحديد اهميته التي لا تحد في الواقع...
ان المشتري العادي يقدم ثمن السلعة او الخدمة ويمضي الى سبيله وتقطع وتحسم العلاقة الوقتية المستغرقة لزمن البيع والشراء وتنتهي ... الخ، لكن العلاقة مع الله تعالى هل تتسم ايضاً بهذه الازمان الطارئة ... كلا: بطبيعة الحال ... كيف ذلك؟
عندما يشتري الله تعالى نفس قارئ الدعاء فهذا يعني ان نفس قارئ الدعاء هي حاضرة عند الله تعالى دواماً أي خلودها الى ما لا نهاية له فكم اذن هو الفارق بين مشتر للسلعة اوالخدمة تنتهي علاقة ذلك بانتهاء المعاملة وبين مشتر تخلد العلاقة بينه وبين الله تعالى الى ما لا نهاية له.
اذن: كم هو سعيد قارئ الدعاء حينما يشتري الله تعالى منه نفسه الى الابد انه الله الذي لا اله سواه انه الله الذي لا نهاية لعطاءاته انه الله الذي لا يقاس البتة بسواه وهذا يعني ان قارئ الدعاء مغبوط الى درجة ان البيان او اللسان عاجز عن الافصاح عن ذلك.. وهذا كله بالنسبة الى عملية الاشتراء؟
ولكن ماذا بالنسبة الى العلاقتين الآخريين ونعني بهما: علاقة قارئ الدعاء بالله تعالى من خلال جعل نفسه وفقاً وخلال جعلها حبساً؟
ان الوقف والحبس موضوعان مشتركان دلالة ولكنهما ليسا مترادفتين بل يحمل كل واحد منهما دلالة تفترق عن الاخرى... ولكن بما ان الوقف والحبس هنا ليسا وقفاً او حبساً ماديين وانما هما معنويان حينئذ فان الموقف يتطلب القاء مزيد من الانارة لتوضيح النكات الكامنة وراء الاستعارتين المذكورتين وهو امر نحدثكم عنه في لقاء لاحق ان شاء الله.
اخيراً: يتعين علينا ان نستثمر قراءة هذا الاستهلال من الدعاء وذلك بان نجعل انفسنا فعلاً وقفاً وحبساً لله تعالى لا نتطلع البتة الى سواه.
وهو امر يقتادنا بطبيعة الحال الى ان نمارس وظيفتنا العبادية باخلاص وان نتصاعد بسلوكنا العبادي الى النحو المطلوب.
*******