لا نزال نحدثكم عن الادعية المباركة وما تتضمنه من النكات البلاغية المتنوعة مما تسهم بلا شك في تعميق معاني الدعاء ومن ذلك دعاء الصباح المعروف للامام علي(ع) حيث قدمنا جملة مقاطع منه في لقاءات سابقة، ونقدم مقاطع جديدة، منها هذا المقطع القائل (اللهم صلِّ على الدليل اليك في الليل الأليل والماسك من اسبابك بحبل الشرف الاطول، والناصع الحسب في ذروة الكاهل الاعبل ...).
وهذا المقطع سبق ان حدثناكم عن فقرته الاولى وهي (اللهم صلِّ على الدليل اليك في الليل الأليل) ونتحدث الان عن فقرته الثانية وهي (والماسك من اسبابك حبل الشرف الاطول).
فماذا تعني هذه العبارة او الاستعارة من البين ان مقطع الدعاء الذي نتحدث عنه يتضمن التوسل بالله تعالى بالصلاة على محمد(ص) حيث ذكر سمة خاصة من سماته(ص) وهي كونه دليلاً الى الله تعالى في غمرة ضلال الناس وها هو يرسم سمة ثانية وهي أنه(ص) ماسك من اسباب الله تعالى بحبل الشرف ...
هنا من الممكن ان يتساءل قارئ الدعاء عن شيء من الضبابية التي تطبع المقطع بالنسبة الى هذه العبارة او الاستعارة التي تتحدث عن التمسك ود الحبل ونحوهما، فضلاً عما نجده في الاستعارة الثالثة التي تتحدث عن الكاهل والاعبل وغيرهما مما قد يدع قارئ الدعاء بمنأى عن معرفة هذه المفردات اللغوية.
وفي هذا السياق يتعين علينا ان نذكركم باساليب المعصومين في صياغة الافكار بل مطلق النصوص الشرعية وفي مقدمتها القرآن الكريم حيث نلحظ مستويات ثلاثة تطبع النصوص الشرعية سواءاً كانت نصوصاً قرآنية او نبوية او علوية او سائر النصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام ... هذه المستويات الثلاثة هي اللغة الواضحة واللغة المشفوعة بشيء من الضبابية ثم اللغة الفنية او المجازية مقابل اللغة المباشرة... وفي الحالات جميعاً ثمة سياقات متنوعة تفرض هذا الاسلوب وذاك.
من هنا عندما نتجه الى دعاء الصباح نجد هذه المستويات الثلاثة متحققة فيه مع ملاحظة ان اللغة المضببة هي الاقل عدداً من سواها ومن جملة ذلك ما تلوناه عليكم الان من الاستعارات المتقدمة.
المهم ان نتحدث عنها بعد الاشارة الى ان النص الشرعي يتجه في حالات خاصة الى جعل قارئ النصوص عنصراً مساهماً في الكشف عن الدلالات الكامنة فيه أي غير المتسمة بالوضوح من اجل جعله متحسساً بمتعة الكشف المعرفي بصفة ان الانسان عندما يستكشف ما هو المجهول امامه عندئذ يحس بالامتاع العقلي في العملية المذكورة ولندع هذه الاشارة لنتجه الى ما نحن بصدده فماذا نستكشف من العبارة القائلة عن النبي(ص) بانه الماسك من اسباب الله تعالى بحبل الشرف الاطول؟
لا نتأمل طويلاً حتى ندرك بان الاستعارة المذكورة تتحدث عن النبي(ص) بانه الشخصية المتمكنة او الموفقة الى تبليغ رسالة السماء الى البشر ... كيف ذلك؟
اولاً: جعل النص عملية التبليغ او توصيل الرسالة بمثابة الحبل الذي تمسكه الشخصية.
ثانياً: جعل هذه العملية شرفاً للشخصية.
ثالثاً: جعل ذلك شرفاً اطول بالقياس الى سائر الشخصيات التي اضطلعت برسالة السماء وهذا يعني ان محمداً هو الشخصية التي فضلها الله تعالى على سائر الانبياء وانه الشخصية المتمكنة من توصيل مبادئ الله تعالى بالنحو الافضل.
هذه الدلالات كما لاحظنا تمت من خلال الاستعارة التي رمزت بالحبل الى موفقية الشخص في اضطلاعها بمهمة تبليغ رسالة الاسلام من حيث تمسكها القوي بذلك، وان الله تعالى هو الاعلم من حيث يجعل رسالته...
والأهم من ذلك هو ان نستثمر نحن القراء للادعية هذا الجانب ونتمسك بحبل الله تعالى أي نلتزم بالمبادئ التي اوصلها النبي(ص) الينا وتدريب ذواتنا على ذلك والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******