نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من موضوعات متنوعة تتصل بالسلوك العبادي للانسان، ومنها الدعاء المعروف بـ (دعاء الصباح) للأمام علي(ع) حيث يحفل الدعاء المذكور ببلاغة فائقة وبمحتوى غني بما هو ضروري لقارئ الدعاء ...
وقد حدثناكم عن الدعاء المذكور في لقاءات سابقة ونواصل حديثنا عن مقاطع جديدة من الدعاء ومن ذلك المقطع القائل: (فاجعل اللهم صباحي هذا نازلاً عليَّ بضياء الهدى وبالسلامة من الدين والدنيا ومسائي جنةً من كيد العدى، ووقايةً من مرديات الهدى)..
هذا المقطع مؤلف من ثلاث فقرات حدثناكم عن اثنتين منها ونحدثكم الان عن الفقرة الثالثة وهي: الفقرة التي تتوسل بالله تعالى بان يجعل مساءنا بمثابة وقاية من الهوى المردي او مرديات الهوى وهو ما نبدأ بالقاء الانارة عليه ...
لقد سبق ان لاحظنا بان الدعاء المذكور في فقرته المتوسلة بالله تعالى بان يجعل مساءنا جنةً من كيد العدى، انما يتحدث عن العدو وما نتوقع من كيده اياً كان نمط هذا العدو ...
ولكننا الآن في هذا المقطع الذي يتحدث عن مرديات الهوى نجد ان التوسل بالله تعالى ينطوي على موضوع اخر لا علاقة له بالعدو المعلوم، بل بعدوٍ آخر هو: هوى النفس، ولذلك عبر الدعاء عن ذلك بـ (مرديات الهوى) فما هو المقصود من العبارة والاستعارة المذكورة؟
بالنسبة الى عبارة "المرديات" تعني "المهلكات" أي: الممارسات المهلكة او المميتة للانسان والموت هنا او الردى ليس الموت البدني بل هو رمز للموت المعنوي المتمثل في ممارسة المعصية.
والان اذا عرفنا المقصود من "مرديات الهوى" وهو: المهلكات او المميتات حينئذ نتساءل عن "الهوى" وهو: المهلكات او المميتات حينئذ نتساءل عن "الهوى" وماذا يرمز اليه ...
لا نحتاج الى تأمل طويل حتى ندرك سريعاً بان المقصود من "الهوى" هو: كل رغبة او ميل غير مشروع لا يرتضيه الله تعالى يستوي في ذلك ان يكون الهدى متصلاً بما هو رغبة عضوية كالشهوة الجنسية المحرمة او الطعام غير المذكى .... او يكون الهوى متصلاً برغبة نفسية كالكذب والغيبة والبهتان والعدوان و..الخ. فالدعاء هنا يتوسل بالله تعالى ان يجنبنا الوقوع في الهوى غير المشروع حيث سماه بالهوى المردي أي المهلك، وهي تسمية تتسم بالدقة ولك لان ممارسة المعاصي تهلك الشخصية انه الهلاك البدني والنفسي، اما الهلاك البدني فهو النار "اعاذنا الله تعالى منها" واما الهلاك الروحي فهو غضب الله تعالى "اعاذنا الله تعالى منها". بيد ان السؤال الان هو: كيف عبر الدعاء عن الهلاك المذكور؟
نتأمل بدقة حيث نجد ان الدعاء المذكور توسل بالله تعالى بان "يقينا" او كما قال الدعاء بان يجعل مساءنا وقايتها ... ولو لاحظت الفرق بين فقرة سابقة تتحدث عن كيد العدو لامكنك ان تجد فارقاً بين ما توسل به الدعاء بان يجعل الله تعالى مساءنا "جنة" أي ستراً من كيد العدو وبين ان يجعل مساءنا "وقايةً" من الاهواء المردية ... فالستر هناك يعني حاجزاً يحجز العدو من الوصول الينا ... اما الوقاية هنا فتعني ان نقي نحن انفسنا من الوقوع في مرديات الاهواء، أي هناك عدو لا يصل الينا وهنا نفس لا تجنح الى الهوى، وهذا فارق مهم يتجسد في ضرورة ان يتخلص قارئ الدعاء من هجوم خارجي او نزعة داخلية داخل انفسنا، وهي ممارسة المعصية والنجاة من شدائد الحياة ...
اذن: امكننا ان نتبين النكات المتنوعة في فقرة الدعاء وهو امر يدعونا الى المزيد من ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******