نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من بلاغة العبارة ونكاتها، فضلاً عما تنطوي عليه من مخزون معرفي يمد القارئ للدعاء بما يعمق من معرفته بمعاني التوحيد وعظمة الله تعالى ومن جملة ذلك الدعاء المعروف بدعاء الصباح لأمير المؤمنين (ع)حيث حدثناكم عن مقاطع متسلسلة منه ووصلنا الى مقطع جديد هو (يا من ارقدني في مهاد امنه وامانه، وايقظني الى ما منحني به من مننه واحسانه وكفَّ اكفَّ السوء عني بيده وسلطانه...) ان هذا المقطع من الدعاء يحفل بنكات متنوعة من طرافة المعنى ودقائقه مضافاً الى ما يطبعه من الجمال الفني المتمثل في تجانس اصواته من نحو قوله (ع) (امنه وامانه)، مثل قوله (ع): (وكفَّ اكفَّ السوء)، وفي توازن عباراته مثل (يده وسلطانه، مننه واحسانه، امنه وامانه) .. وهكذا والمهم الآن هو ان نتجه الى طرافة مضموناته حيث يتعين علينا ان نلقي الاضاءات المتنوعة عليه وهذا ما نبدأ به ...
ان اول ما يستوقفنا من الدعاء هو الاستعارة التي تتحدث عن رحمته تعالى متمثلة في انه تعالى ارقد عبده في مهاد امنه وامانه.. فهنا نواجه ثلاث ظواهر هي: المهاد، والامن، والامان... والسؤال هو اولاً: ما هو الفارق بين الامن والامان؟ ثم قبل ذلك ماذا نستخلص من عملية الرقاد في المهاد؟ بالنسبة الى المهاد، فان المقصود به هو الفراش، وحينما يقول الدعاء: (يا من ارقدني في مهاد امنه وامانه) فهذا يعني ان الله تعالى جعل عبده نائماً في فراش خاص هو الامن والامان....
ولا نعتقد اننا بحاجة الى ان نتحدث عن الفراش والنوم، وما تحققه هاتان الظاهرتان من اشباع كبير لحاجات الشخصية فالرقاد اساساً هو عملية تحقيق لتوازن الشخصية بحيث ذكر علماء النفس بان الحرمان من النوم لايام معدودة يسبب اضطرابات نفسية وعقلية تنتهي بالشخصية الى الجنون او الموت ... واما الفراش او المهاد فلا يحتاج الى توضيح لمعطياته حيث يجسد ترفاً في عملية النوم معمقاً بذلك توازن الشخصية...
والآن اذا انقلنا هذه الحاجة وهي النوم وادانة المترفة وهو الفراش الى تحقيقه لامن الشخصية وامانها حينئذ سنظفر بمعاني عميقة او مستويات العطاء الكبير من الله تعالى في توفير الامن والامان للشخصية. اذن: نتحدث عن الامن والامان ...
الامن او الامان او كلاهما يرتبطان باحد دوافع الشخصية وهو ما يسمى بالحاجة الى الامن ولكن ينبغي ان نتحدث عن الامن والامان بمصطلحهما وقبل ذلك ينبغي ان نوضح دلالتهما والفارق بينهما ...
يشير اللغويون الى ان الامان يعني الاطمئنان واما الامن فيعني الوثوق والركون ...، فاذا جمعنا بينهما حينئذ تظل النتيجة هي ان الشخصية تحيا آمنة لا يعكر صفوها قلق او خوف او اضطراب او تهديد لحياتها فهي من جانب آمنة من حيث عدم نزل الشدة عليها وهي آمنة من جانب آخر من حيث ركونها الى جهة تثق بها أي السماء التي تتكفل بحمايتها.
وبمقدور أي شخص ان يستكشف اهمية الدافع الى الامن واعتباره واحداً من اهم دوافع الشخصية التي يجمع علماء النفس على ذروة اهميتها حيث ان عدم الامن وعدم المان يفضيان الى عدم استقرار الشخصية بحيث لا تجد طعماً لحياتها ما دامام يتهددها عدو بالقتل، او الضرب او الاذى النفسي وفي ضوء ذلك جميعاً يمكننا ان نتبين مدى رحمته تعالى في جعله الشخصية راقدة في فراش الامن والامان بحيث تحقق الذرى من اشباع حاجاتها وبذلك يتحقق التوازن النفسي الذي يطمح الى بلوغه البشر جميعاً.
اخيراً: يتعين على قارئ الدعاء ان يستثمر تلاوته للدعاء في مقطعه الذي تحدثنا عنه وذلك بان يشكره تعالى على تحقيقه للأمان والأمن وان يواصل طاعته لله تعالى ويتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******