نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من المعرفة العبادية كالتوبة والاستغفار وسائر ما يتصل بالطاعة من ذلك ما سبق ان حدثناكم عن احد الادعية مما يتلى بعد زيارة الامام الرضا(ع) حيث تضمن سلسلة من الاستغفارات الملفتة للنظر، وذلك لكونها تتناول مستويات متنوعة من الاستغفار كالاستغفار المصحوب بالحياء وبالرجاء وبالانابة وبالرغبة وبالرهبة وبالطاعة وبالايمان وبالاقرار وبالاخلاص أي ان يقول (واستغفرك استغفار توكلٍ واستغفار ذلة ...).
ومما لا شك فيه ان لكل مفردة من الظواهر المتقدمة دلالتها المعرفية العميقة أي الاستغفار المصحوب بوعي عبادي حاد عبر سلسلة طويلة من التأملات المتتابعة "كما لاحظنا ذلك سابقاً"... والمهم الآن هو متابعة هذه السلسلة ومنها الاستغفار المصحوب بالتوكل وبالذلة .... فماذا تعني هذه العبارات؟
بالنسبة الى التوكل نعتقد بانكم في لقاءات متفرقة سابقة حدثناكم عنه مفصلاً الا ان السياق الجديد الذي ورد فيه "التوكل" يفرض علينا ملاحظته من زاوية علاقته بالاستغفار ان كل واحد منا عندما يتوكل على الله تعالى فان التوكل المشار اليه يعنيان العبد يوكل اموره الى الله تعالى ما دام العبد لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ... ويكفي ان الآية القرآنية الكريمة القائلة (ومن يتوكل على الله فهو حسبه...). نقول يكفي ان هذه الآية تحسم لنا الموقف بالنسبة الى ظاهرة "التوكل" وآثارها المختلفة في ان الله تعالى يكفي المتوكل عليه اموره الا ان السؤال هو ملاحظة صلة الاستغفار بالتوكل اي ان الزائر للامام(ع) عندما يتجه الى الله تعالى عند الزيارة ويستغفر استغفار "توكل" ماذا يستهدف من المعنى في هذا السياق؟
لا يطول تأملنا حتى ندرك بوضوح ان المستغفر من الذنب عندما يصمم على عدم العودة الى ممارسته انما يصدر عن واقعية او عن الرغبة الصادقة في ذلك ... ولكن الضعف الانساني ووسوسة الشيطان قد تقتاده من جديد الى ممارسة الذنب ولذلك نجد ان الادعية بنحو عام عندما تطرح الظواهر المذكورة أي العزم على عدم العودة الى الذنب وامكانية ان تضعف ارادة الشخصية وينصاع الى الشيطان ففي امثلة هذا الموقف نجد ان الادعية تصوغ علاجاً للموقف وهو ان يتوسل قارئ الدعاء أي المستغفر من الذنب بان يعصمه الله تعالى من الذنب بصفة ان الله تعالى اذا لم يعصم عبده من المعاودة للذنب فان العبد الضعيف لا ينجح في عزمه لذلك ورد في احد الادعية للامام السجاد(ع) قوله: (واستعصمك فصل على محمد وآله واعصمني، فاني لن اعود لشيء كرهاً مني ان شئت ذلك).
اذن: السؤال من العبد لله تعالى بان يعصم عبده من الذنب هو المتعين وهذا ما يفسر لنا معنى العبارة القائلة (واستغفرك استغفار توكل) ... كيف ذلك؟
واضح ان العبد عندما يعزم على عدم معاودة الذنب ثم يتكل على الله تعالى في نجاحه عندئذ فان الله تعالى يعصمه من الذنب ما دام متوكلاً عليه في نجاح سلوكه العبادي الجديد.
وهذا فيما يتصل بالعبارة القائلة (واستغفرك استغفار توكل) ولكن ماذا بالنسبة الى ما بعدها وهي عبارة (واستغفرك استغفار ذلة ...).
هذا ما نؤجل الحديث عنه الى لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً لا مناص لنا جميعاً من ان نستغفر دوماً وان نسأله تعالى العصمة من ممارسة الذنب والتوفيق في ممارسة العمل العبادي والتصاعد به الى النحو المطلوب.
*******