نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من البعد المعرفي في ميدان الاخلاق والعقائد والاحكام ونحو ذلك ... ومن نماذج الدعاء المنطوية على هذه الدلالات ما سبق ان حدثناكم عنه ونعني به الدعاء الذي يتلى بعد زيارة الامام الرضا(ع) حيث يتضمن سلسلة من الاستغفارات المتصلة باستغفار الحياء والرجاء والانابة والرغبة والرهبة والطاعة والايمان الى ان يقول: (واستغفرك استغفار اقرار واستغفرك استغفار اخلاص، واستغفرك استغفار تقوى ...). ان هذه السلسلة من الاستغفارات ليست مجرد احصاءات لكلمات او دلالات عامة وغائمة ومألوفة و .. الخ. بل هي جهاز من المعرفة المرتبطة بمفهوم التوبة وبمفهوم الاستغفار وبما يواكب ذلك من العمليات النفسية التي تختبر بها الشخصية في تعاملها مع الله تعالى في غمرة وقوعها في المعصية والندم عليها والعزم على عدم معاودتها لذلك، يتعين على قارئ الدعاء ان يلم بمعاني هذه المفردات التي بقدر اسمائها متماثلة او عادية مع انها تجسد قمة السلوك العبادي المطلوب.
اذن: لنتجه الى تحليل ذلك ...
نواجه هنا ثلاثة استغفارات هي الاقرار والاخلاص والتقوى ولعل قارئ الدعاء اذا كان متسرعاً في قرائته لهذا الجانب، سوف يقول: التقوى هي السمة العامة التي تشمل كل مفردات السلوك العبادي كالاخلاص والاقرار و...، فلماذا افردها الدعاء وجعلها في سياق استغفارات فرعية؟ ...
للأجابة عن السؤال المتقدم، نود لفت نظركم اولاً الى ان ورود ما هو عام او كلي او اصل ثم ورود ما هو خاص او جزئي او فرعي بعده او قبله لا يعني انها ينبغي ان نستغني عن الفروع من خلال معالجة الاصل وحده فمثلاً ما المانع من الاشارة الى ان التقوى هي المعيار العبادي العام للشخصية ثم نتناول مفردات من ذلك كالصدق او الاخلاص او اداء الامانة او الخشوع او البر او المساعدة للآخرين ....
اذن: لكل مفردة جزئية او كلية من السلوك لها سياقها الخاص الذي يتطلبه الموقف...
المهم لنتحدث الآن عن المفردة الاولى، وستتضح الفوارق بين مفردات الاستغفار الاخرى بجلاء تام ان شاء الله تعالى....
الاستغفار الذي نتحدث عنه اولاً هو استغفار قارئ الدعاء استغفار اقرار فماذا تعني هذه الكلمة؟ نعتقد ان قارئ الدعاء سوف يسارع الى القول بان الاقرار هو اعتراف الشخصية بذنبها وهذا في حد ذاته فضيلة حيث ان ثمة فارقاً بين من يمارس معصية وهو لا يراها معصية او يمارسها وهو ناف لها، او ملتمس تسويغات لممارستها .... ولكن عندما يقر المذنب بذنبه حينئذ فان الاقرار هذا له اهميته من الزاوية العبادية والنفسية ... اما من الزاوية العبادية فلأن الاقرار هو تعبير عن الضعف الذي ينتاب الشخصية عند مقارفتها للذنب وهذا بخلاف من يبتهج بممارسة الذنب مثلاً او غير مبال به .... ولكن ماذا بالنسبة الى المعطى النفس للاقرار بالذنب؟ من البين ان الشخصية السوية هي التي تتعامل مع الله تعالى من جانب أي لا تجنح الى الاوهام والخيالات في سلوكها الفكري او المادي ... كما انها من جانب آخر تتعامل مع ذاتها بواقعية فلا تنسج لنفسها مقاماً هي ليست اهلاً له، ولا تيأس من الاصلاح اذا كانت مفسدة لذلك فان الشخصية الممارسة للذنب عندما تقر بذنوبها انما تنسج حقيقة سلوكية حتى لو كانت سلبية وهذا ما يهبها قيمة دون ادنى شك ما دامت واقعية في كلامها وليست متهربة من الواقع النفسي الذي تحياه...
بالاضافة الى ذلك فان الاقرار بالنذنب يتضمن بصورة غير مباشرة تلويحاً لامكانية الامل ما بصلاح النفس من جانب وغفران ذنبها من جانب آخر...
اذن: امكننا ان نتبين اهمية هذه المفردة من الاستغفار ونعني بها استغفار قارئ الدعاء استغفار اقرار بالذنب حيث ينطوي هذا النمط من الاستغفار تدريب الشخصية على تعلم السلوك السوي في الميدان اتمام وتعلم السلوك العبادي والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******