نتابع حديثنا عن الادعية المباركة'>الادعية المباركة وما تتضمنه من فنون التعبير حيث تزخر الادعية بمعان دقيقة وبنكات متنوعة وبأسرار بلاغية يتعين على قارئ الدعاء ان يقف عندها ومن ذلك ما سبق ان حدثناكم عنه في لقاء ماض وهو الدعاء الذي يتلى بعد زيارة الامام الرضا(ع) حيث ورد فيه التمجيد الاتي لله تعالى وهو: (يا من جل عن ادوات لحظات البشر ولطف عن دقائق خطرات الفكر) وفي حينه اوضحنا ما تضمنه المقطع الاول او الفقرة الاولى او الشطر الاول من قطعة الدعاء ونعني بها عبارة (يا من جل عن ادوات لحظات البشر) وقلنا ان المقصود من عبارة (ادوات لحظات البشر) هي الوسائل التجريبية التي يجدها الباحثون في مختلف العلوم الطبيعية والانسانية حيث ان الملاحظة هي الاساس الاول للتجريبي وهو ما اشار الدعاء اليه عندما اوضح بان الادوات وهي وسائل البحث العلمي لا يمكنها ان تستخدم بالنسبة الى معرفة الله تعالى وان الملاحظات البشرية مهما استخدمت في هذا الميدان فان الله تعالى يجل عن الوصول الى كنه ذاته المقدسة بواسطة ادوات التجريب البشري سواءاً كان من خلال ما هو مادي او ما هو معنوي وهو أي الاستخدام المعنوي او الفكري يظل بدوره متتماً بالنسبة الى معرفة الحقيقة الالهية ... لماذا؟ هذا ما نحاول الاشارة اليه الآن ...
بالنسبة الى ادوات الملاحظة المادية، نجد ان الله تعالى وهو المنزه عن الحدوث لا يمكن الوصول الى معرفته، وايضاً بالنسبة الى الاداة الاخرى وهي الممارسة الفكرية وهذا ما نطق به القسم الآخر من مقطع الدعاء حيث يقول: هنا العبارة تحتاج لى مزيد من التأمل ... فماذا يمكن استخلاصه من ذلك؟ ... فماذا يمكن استخلاصه من ذلك؟
من البين ان الفكر يستطيع بما يمتلك من اداة او مهارة تجريدية ان يصل الى معرفة كثير من الحقائق وسبب ذلك ان المهارة العقلية نمطان احدهما: المهارة العادية المتمثلة في ادراك الشيء والآخر المهارة التجريدية المتمثلة في استخدام الخيال لرصد الحقائق من خلال عمليات الملاحظة فان معرفة الغيب مثلاً متاحة للعقل البشري مادام بمقدوره ان يستخدم العمليات العقلية العليا من محاكمة واستدلال واستخلاص ... لكن تظل المهارة المشار اليها محدودة بطبيعة الحال، من هنا نتساءل هل يمكن لما هو محدودان يخبر ما هو غير محدود؟ طبيعياً من الممكن ان يتم ذلك في حدود الاستخلاص العام للمظاهر كما عرفنا من خلال عقولنا المحدودة وجود الله تعالى لكن المعرفة للخطوط العامة للشيء شيء وتجاوز ذلك الى معرفة ما وراء ذلك شيء آخر، وهذا ما ينسحب على معرفة كنه الله تعالى حيث لا تمكن الاحاطة بتاتاً بهذا الموضوع وهو ما عبرت عنه العبارة القائلة ولطف عن دقائق خطرات الفكر.
هنا يحسن بنا ان نحلل ولو سريعاً هذه العبارة ان الفكر هي جمع لمفردة الفكرة أي ما يصدر عن الذهن من تصور خاص للشيء فالفكرة قد تكون عادية وقد تكون غير عادية بحيث تتطلب محاكمات وتجريدات واستنتاجات غائرة في الاعماق أي من الدقة بمطافٍ كبير وهذا ما يتمثل في المحاولات غير المجدية طبعاً مما يمارسه الذهن من دقيق ما يخطر من الخطرات فيه حيث ان الله تعالى لطف او "عصم" من اية ممارسة دقيقة من خطرات الذهن تصل الى معرفة ذاته المقدسة تعالى غير محدود وغير حسي وغير حادث انه يعرف فطرياً ويعرف من خلال فيوضاته الكونية .... حيث لا يمكن لاي ذهن او أي خاطرة مهما دقت ان تصل الى معرفة ذلك.
اذن: امكننا ولو عابراً ان نتبين جانباً من عبارات الدعاء التي تتحدث عن الملاحظة التجريبية والتجريدية من حيث عدم امكان الركون اليها في معرفة ذات الله تعالى وهذا امر يحملنا على اثراء معرفتنا بعظمة الله تعالى ومن ثم ضرورة الاستثمار لهذا الجانب وذلك لممارسة وظيفتنا العبادية والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******