نواصل حديثنا عن أدعية الزهراء (عليها السلام) ومنها الدعاء الذي ورد فيه: (اللهم صل على محمد كما هديتنا به، وصل على محمد كما رحمتنا به، وصل على محمد كما عززتنا به، وصل على محمد كما فضلتنا به وصل على محمد كما شرفتنا به، وصل على محمد كما نصرتنا به، وصل على محمد كما انقذتنا به من شفا حفرة من النار) ، هذا المقطع من الدعاء يتضمن جملة فقرات متجانسة في صياغتها اللفظية من حيث التكرار لعبارة (صل على محمد) (صلى الله عليه وآله وسلم) وعبارات (كما) و (به)وحرفي النون والالف ومن، كما يتضمن جملة فقرات متجانسة في دلالتها مثل (شرفتنا به) و (عززتنا به) و (فضلتنا به) فضلاً عن عبارات مثل (انقذتنا به) ، (نصرتنا به) ، المهم هو: خارجاً عن الصياغة الجمالية المشار اليها نواجه مقطعا يتوسل بالله تعالى بان يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وان يكرمنا به في ضوء ما لاحظناه من مصطلحات مثل: هديتنا به، رحمتنا به،عززتنا به، فضلتنا به، شرفتنا به، انقذتنا به، حيث تتضمن دلالياً بالاضافة الى الجمالية مجموعة من التوسلات المرتبطة بنا نحن الاسلاميين دنيوياً واخروياً. ونظراً لأهمية هذه الدلالات يحسن بنا ان نقف عند كل واحدة منها، وارتباط بعضها بالاخر، اذن لنتحدث اولاً عن مصطلحي (الهداية) و (الرحمة) في عبارتي (كما هديتنا به) و (كما رحمتنا به) .
من البين ان الهداية هي غير (الرحمة) ولكنهما مرتبطان ببعضهما فالهداية هي: ما وفقنا له من المعرفة الاسلامية في مختلف الميادين: عقائدياً، شعائرياً، اخلاقياً، ... الخ. اما (الرحمة) فهي: الكامنة وراء المعطيات التي ذكرها مقطع الدعاء سواء اكانت هداية أو عزاً أو نصرة، ... الخ. ان الرحمة غير المحدودة تجسد نعم الله تعالى التي لا تحصى حيث نعرف بان القدرة والرحمة هما المفسران لعظمة الله تعالى في المقام الاول، حيث تقترن القوة بالرحمة، والرحمة بالقوة او القدرة ولعل قارئ الدعاء اذا نقل الى ذهنه تجربة الارضيين اي غير الملتزمين بمبادئ السماء، وجد ان القدرة التي يمتلكها هؤلاء قد تنفصل عن الخير او يجد الخير عند البعض ولكن هذا البعض لا يملك قدرة على اشاعة الخير وهكذا. والان لننتقل الى المعطيات الاخرى في مقطع الدعاء.
بعد ذلك نواجه ثلاثة مصطلحات متجانسة هي العز والشرف والتفضيل، فماذا نستلهم منها؟ اما (العز) فهو: الكرامة التي تطبع الشخصية والا فان الشخصية بلا عز يعني: هوانها ودونيتها وحطتها اجتماعيا ولا نغفل ان البحث عن (التقدير الاجتماعي) في لغة علماء النفس يشكل اهم الدوافع البشرية وهذا ما يأخذ او يكتسب اهميته من خلال العز الالهي وليس الدنيوي بالنسبة الينا نحن الاسلاميين. ولذلك ورد في النصوص الشرعية ما يشير اولاً الى ان الله تعالى فوض للمؤمن كل شيء الا اذلال نفسه. وورد بان اولياء الله تعالى انما يتعززون به، اي: يكتسبون العز من خلال انتسابهم الى الله تعالى.
واما الشرف فهو: العلو في الانتساب المذكور الى الله تعالى بحيث يحق التفاخر به من حيث الانتساب المذكور والا فان المفاخرة بغيره لا تعني شيئا، بقدر ما تعني الدنيا. ثم (التفضيل) في العبارة القائلة: (اللهم صل على محمد كما فضلتنا) ، وهذه العبارة لا تحتاج الى توضيح حيث انه تعالى فضل محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) على سائر الانبياء ومن ثم فضل المنتسبين اليه على سائر الاديان، كما هو واضح.
اذن هذه العبارات الثلاث تظل متجانسة في ارتباط بعضها مع الاخر وترتيب احدها على الاخر فضلاً عما لاحظناه في عبارتي الاستهلال للمقطع مهما (الهداية) و (الرحمة) ، واما سائر العبارات فسنحدثك عنها لاحقاً ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******