لا نزال نحدثك عن ادعية الزهراء (عليها السلام)، حيث لاحظنا احد ادعيتها الخاص بيوم الجمعة، وانتهينا من ذلك الى مقطع جديد بدأ على هذا النحو: (اللهم اجعلنا ممّن كأنه يراك الى يوم القيامة الذي فيه نلقاك، ولا تمتنا الاّ على رضاك، ... الخ) ، ان العبارة او الفقرة الاولى من هذا المقطع يتضمن (تشبيها) له طرافته وعمقه من حيث جوهر العمل العبادي المتمثل في ذكر الله تعالى وعدم التغافل عن مهمة العمل المذكور. ولنتحدث عن التشبيه المتقدم، فماذا نستلهم؟
من البين، ان الله تعالى (ازليّ) وانه تعالى منزّه عن الرؤية له، وحينئذ عندما يقول النص: (اجعلنا ممّن كانّه يراك) حينئذ فان الهدف من ذلك هو: مجرد استخدام اداة تشبيهية لتقريب المعنى، ما دام تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، ولا يشبهه شيء، ... الخ.
والسؤال هو: صياغة هذا التشبيه، وانعكاس ذلك على الدلالة، اذن: نتسائل الان عن صياغة هذا التشبيه وادواته؟ ان التشبيه المتقدم قد استخدم اداة التشبيه (كانّ) ، ومن المعلوم ان ادوات التشبيه هي ثلاث (الكاف) مثل قوله تعالى عن قلوب اليهود«فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ» اي: قسوة قلوبهم. واداة «مِثْلَ» كما في قوله تعالى: «أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ» حيث اجرى النص على لسان احد ابني ادم الذي قتله وجهل موارته، هذه العبارة بعد ان رأى الْغُرَابِ الذي بحث في التراب لمواراته الطائر. واما الاداة الثالثة فهي (كأن) وهذا مثل قوله تعالى: «كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ»، وقد سبق ان حدثناك عن هذه الادوات، ثم ما يقوم مقامها من عبارات التشبيه مثل (مثل)، و(حسبتهم) و(بمنزلة)، ... الخ، والمهم هو: ان (مثل) تستخدم عندما يكون التماثل او التشابه بين طرفي التشبيه في اعلى نسبة كنسبة ۷٥% مثلاً، واما (الكاف) فتمثّل نسبة ٥۰%، بينما (كأنّ) تمثل ۲٥% مثلاً، وفي ضوء هذه الحقيقة التي لا مجال لتفصيل الحديث عنها، نتجه الى عبارة او اداة (كأنّ) لنرى اسهامها الصوري في تقريب المعنى.
قلنا، ان (كأنّ) تستخدم في ملاحظة اقل النسب تشبيها، هنا في عبارة الزهراء (عليها السلام): (اجعلنا ممن كأنه يراك) ، جاءت الاداة الاقل نسبة بل انعدام النسبة التشبيهية، لان الله تعالى كما هو بديهي لا مجال للمماثل والمشابه له، بقدر ما يستخدم التشبيه لمجرد وجود عنصر فرضيّ هو (تخيل رؤيته) وليس (حقيقة رؤيته)، وهناك فارق بين ان (تتخيل) بانك تراه، وبين حقيقة الرؤية المنعدمة اساساً، كما قلنا. اذن ما هي فاعلية التشبيه المتقدم؟
فاعلية هذا التشبيه هي: ان يتخيل قارئ الدعاء، ان الله تعالى موضع رؤية العبد لسلوكه، فاذا اراد ممارسة طاعة، او تجنبّ محرّم او مكروه، حينئذ يتخيل بانه يرى (الله تعالى) فيخجل منه، ولذلك يعمق طاعته، ويمتنع عن المعصية، وهذا كما لو تخيل بان احداً من البشر يراه حيث تحجزه الرؤية عن ممارسة المحرمّ مثلاً، وهكذا. وهذا ما ورد في الاحاديث ايضاً، حيث تشير الاحاديث الشرعية الى ما معناه: كن كمن شاهد الاخرون سلوكه، فخجل منهم وامتنع عن المحرّم، وكذلك الله تعالى: كن كمن يشاهد الله تعالى ويطّلع تعالى على سلوكه، حيث يحجزه حضور الله تعالى عن المعصية.
اذن امكننا ان نتبين اهمية هذا التشبيه وفاعليته، سائلين الله تعالى ان يجعلنا كذلك، اي: كاننّا ممن يراك الى يوم القيامة الذي فيه نلقاك ، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******