نتابع حديثنا عن ادعية الزهراء (عليها السلام)، ومنها الدعاء البادئ على النحو الاتي: (اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، وركنك الذي لا يرام وباسمائك العظام، ... الخ) . هذا المقطع من الدعاء حدثناك عن فقرته الاولى وهي: (اللهم احرسنا بعينك التي لاتنام) ، ونحدثك الان عن فقرته الثانية وهي (ركنك الذي لايرام) اي: احرسنا بركنك الذي لا يرام، فماذا نستلهم منه؟
(الركن) هو: العزة والمنعة، اي: المكان الذي يتسم بالمنعة، بحيث لايجرأ احد على الدخول فيه لان (المانع) هو: الحاجز عن الدخول فيه، طبيعياً: ان العبارة هي استعارية او رمزية حيث ان المقصود من ذلك هو: عظمة الله تعالى متمثلة في (العزة) التي يتسم بها تعالى والرمز هنا في مجموع العبارة اي (الركن الذي لا يرام) ، يعني: ان قدرته تعالى لا يمكن لاحد ان يصل الى مداها، حيث ان المكان الرامز الى مصطلح (الركن) لا يمكن ان يصل احد اليه او يثبت فيه، وهذا هو دلالة كلمة او عبارة (لا يرام) اي: لا يثبت احد او يقيم في هذا المكان، والحصيلة هي ان نتبين الان الفارق بين العبرة التي حدثناك عنها في لقاء سابق وهي: (احرسنا بعينك التي لا تنام) ومن العبارة التي حدثناك عنها الان وهي (احرسنا بركنك الذي لا يرام) . فما هي العلاقة بينهما؟
واضح، ان الزهراء (عليها السلام) عندما توسلت بالله تعالى ان يحرس تعالى قارئ الدعاء بعينه التي لا تنام، فهذا يعني ان الله تعالى سوف يمنع وصول الاذى الى العبد، فما دام تعالى حارساً لعبده فحينئذ يمنع دخول الاذى الى العبد، وهذا هو منتهى التعبير البلاغي الجميل من حيث التدرج بالمعنى من مفهوم الحراسة الى مفهوم عدم وصول الاذى الى العبد بالنحو الذي اوضحناه.
يبقى ان نوضح العلاقة بين ما سبق من العبارتين وبين العبارة الثالثة (وباسمائك العظام) ، اي: ان قارئ الدعاء يتوسل بالله بان يحرس عبده اولاً بعينه التي لا تنام، وبركنه الذي لا يصل اليه الاذى حيال العبد، ثم، باسمائه تعالى حيث خلع عليها الدعاء طابع(العظام) اي: الاسماء العظيمة فماذا نستلهم منها؟
الجواب: ان اسماء الله تعالى مثل: الْعَزِيزُ، الْقَوِيُّ، الْجَبَّارُ، الْمُهَيْمِنُ، وغيرها مما يتضح عن (العظمة) في جانبها المرتبط بقدرته، ثم: الاسماء المفصحة عن رحمته مثل: الرَّحِيمِ، الحنان، المنان، الرفيق، وغيرها مثل هذه الاسماء وسواها ممن تجمع بين قدرته تعالى ورحمته، حينما يتم التوسل بها، عند ذلك: فان القدرة تتكفل بعدم وصول الاذى الى العبد، والرحمة تتكفل باغداق الشفقة على العبد حيث تمنع وصول الاذى الى العبد بالنحو الذي اوضحناه.
بعد ذلك يتجه الدعاء الى توسلات اخرى تتصل بالحفظ والستر وغيرها، مما نحدثك عنها لاحقا ان شاء الله تعالى، اما الان فحسبنا ان نشير الى ما اوضحناه قبل قليل الا وهو التسلسل او التدرج الدلالي في العبارات المتقدمة سائلين الله تعالى ان يرحمنا بمزيد رحمته وان يوفقنا الى ممارسة مهمتنا العبادية وهي الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******