لانزال نحدثك عن الأدعية المباركة ومنها ادعية الزهراء (عليها السلام) حيث حدثناك عن أحد أدعيتها لخاص بيوم الأحد، وانتهينا من ذلك: الي ما يأتي: (اللهم صل على محمد وال محمد، واجعلنا ممن اناب إليك فقبلته، وتوكل عليك فكفلته، وتضرع اليك فرحمته، ...). هذه العبارات يختم بها أحد مقاطع الدعاء، وهي ثلاث عبارات تتدرج في التوسل بالله تعالى من حيث نمط الحاجات، وهو أمر نبدأ به الأن بألقاء الضوء عليه. العبارة الأولى تقول: (اجعلنا ممن أناب اليك فقبلته) ، أي: اجعلنا ممن يرجع اليك يا رب، ثم اجعلنا ممن قبلته في الرجوع اليك، كقبول التوبة مثلاً، او بقبول الطاعات الخ... . ومن البين أن الرجوع إلى ألله تعالى ليس كلاماً لفظيا بقدر ما يعني: صدقاً قلبياً يتجه إلى الله تعالى دون أن يسمح لأي عنصر أخر في مشاركة هذه الأنابة، وهي ظاهرة ليست من السهل أن تتحقق إلا لمن وفقه الله تعالى الى ذلك... من هنا تجيء العبارة الثانية من المقطع وهي: (وتوكل عليك فكفيته) أمتداداً للأنابة المتقدمة. كيف ذلك؟ واضح أن من قرر العودة إلى الله تعالى فحسب، يأتي عنصر توكله على الله تعالى مرحلة طبيعية من السير نحو الله تعالى، فالتوكل يعني: إيكال الأمر الى ألله تعالى: كمن يتوكل عليه في الرزق والصحة والأمان و... الخ. مع ملاحظة ما تقرره النصوص الشرعية كقوله تعالى: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ». أن عبارة «حَسْبُهُ»تعني كفاية الشخصية من حيث تحقق أشباعها،... وبهذا يمكن الأشارة إلى أن عبارة الزهراء (عليها السلام) (توكل عليك فكفيته)أنما هي (تناص) أو (اقتباس) أو (تضمين) للآية التي لاحظناها الأن وهي: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» فتكون كلمة (توكل)و «حَسْبُهُ» مصدراً لكلمة (توكل) وكلمة (كفيته) في مقطع الدعاء المذكور. المرحلة الثالثة من مقطع الدعاء، أي العبارة الثالثة المترتبة على سابقتيها وهي: (وتضرع إليك فرحمته) تعد تتويجا لما سبقها... ، كيف ذلك؟
الجواب: أن الأنابة إلى الله تعالى، والتوكل عليه ليسا مجرد سلوك نظري بل لابد وأن يقترن بجملة أمور منها: التمجيد لله تعالى، ومنها البدء بالصلاة على محمد وآله ومنها وهذا ما ينسب الى العبارة الثالثة في المقطع وهي (تضرع اليك). أن التضرع وهو التذلل، والتخشع ونحوهما شرطان أساسيان أو شرط أساس في تحقيق حاجات الشخصية، وهو أمر طالما أشارت اليه النصوص الشرعية اليه بخاصة مع حدوث... يراجع النص القبلية كما اشار النص الشرعي اليها. اذن جائت العبارة الثالثة تتويجا لموضوع المقطع بالنحو الذي أوضحناه. بعد ذلك نواجه مقطعاً جديداً من الدعاء هو: (اللهم إني أسألك قوة في عبادتك، وتبصراً في كتابك، وفهما في حكمك، ...الخ) . ان هذه العبارة المرتبطة بمفهوم (القوة) في العبادة، وبمفهوم (التبصر) في كتاب الله تعالى وبمفهوم الفهم في حكم الله تعالى، تتطلب مزيداً من التوضيح وهو ما نحدثك عنه في لقاءنا اللاحق ان شاء الله تعالى... .
ختاماً نسأله تعالى أن يجعلنا ممن أناب اليه فقبله، وممن توكل عليه فكفاه، وممن تضرع اليه فرحمه، أنه سميع مجيب. للمرة الجديدة نسأله تعالى ان يوفقنا إلى طاعته، والتصاعد بها الى النحو المطلوب، آمين.
*******