نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها: ادعية الزهراء (ع) حيث حدثناك عن احدها، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه " اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة اخري، واصلح لي دنياي التي فيها معاشي، واصلح لي آخرتي التي اليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي الى كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر "... ان هذا المقطع من الدعاء يلخّص التجربة العبادية التى خلق الله تعالى الانسان من اجلها، انها تتحدث عن الدين، وعن الدنيا، وعن الآخرة، وعن الحياة، وعن الموت، وهذا هو شأن الانسان، يولد ويموت، ويبعث، ويمارس وظيفته اوكلها تعالى اليه... وفي ضوء هذه الحقيقة نتقدم الى مقررات المقطع من الدعاء ونحدثك عن كلّ واحدة منها.... فالى المفردة اوالعبارة الاولي.
تقول العبارة الاولى " اللهم اصلح لي ديني الذي هوعصمة أمري " هذه الفقرة من مقطع الدعاء تتحدث عن الدنيا، والدين هنا هوالمبادي، التي رسمها الله تعالى لها بواسطة النبيّ محمد (ص) وامرنا ان نلتزم بها والاّ فان المصيرالسلبي ينتظرالمتمرّد على ذلك... انها المباديء التي عبّرالقرآن الكريم عنها بالآية المباركة " وما خلقت الجنّ والانس الاّ ليعبدون " والعبادة هي هذه المباديء الاسلامية بطبيعة الحال.... والآن لننظرالى مفردة الدعاء حيث توسلت بالله تعالى ان يصلح لقاريء الدعاء هذه المهمة العبادية، وعلّلت ذلك بانها هي (عصمة) الأمر... والسؤال المهم هو: ما المقصود من عصمة الأمر؟
ان عصمة الأمرتتداعى بذهن الانسان الى تركيب لفظيّ هو: الاستعارة، بصفة ان (العصمة) تعني: المناعة من الأمر، بحيث لا تتعرض الى الاضطراب اي: الامتناع من ممارسة العمل العبادي، وبهذا يكون العمل العبادي بمثابة حصنٍ منيع لا بطاله الانحراف في السلوك... اذن: العصمة في الأمرهي: البعد عن الانحراف من هنا توسّل الدعاء بأن يصلح الله تعالى أمرقارِيء الدعاء الذي هوفلسفة وجوده في الارض.
والآن الى العبارة الثانية... فماذا تقول " واصلح لي دنياي التي فيها معاشي"... تري: ما المقصود من العبارة المذكورة ؟ الجواب: مادام الانسان موظّفاً بان يمارس عمله العبادي (الدين)، حينئذ ٍفان الممارسة تتطلب وجود بيئة صالحة للممارسة المذكورة... انها حياة الشخصية، و(دنياها)،... من هنا، فان الدنيا تتطلب اصلاحاً للممارسة العبادية،... بيد ان الممارسة اوالدنيا تقترن بضرورات المعاش من مسكنٍ وملبس ومركب ومطعم ومشرب ومأمن: حتى تستطيع الشخصية ممارسة وظيفتها، وهذا ما طلبه الدعاء حينما قال عن دنيا قارِيء الدعاء " واصلح لي دنياي التي فيها معاشي" ، والاّ اذا اضطرب معاش الشخصية: عندها لا تستطيع ممارسة وظيفتها بالنحوالاكمل.
بعد ذلك نواجه عبارة ثالثة، وهي " واصلح لي آخرتي التي اليها معادي".. فماذا نستلهم منها؟ "الجواب: " من الواضح ان الدنيا هي دارممرلا دارمقرّ(كما عبرالامام عليّ (ع) عن ذلك)، والممرّهو: البنية التي تخضع للاختبارالعبادي، وهي الدنيا (كما اشرنا)، ومن ثم فان الممرعابر، والمقرّدائم، ولذلك توسل الدعاء بان تكون الآخرة هي المصيرالصالح الشخصية قاريء الدعاء، بصفتها حياة أبدية تتوقف على مدى نجاح الانسان في ممارسة وظيفته العبادية. ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة وظيفتنا العبادية، والتصاعد بها الى النحوالمطلوب.
*******