لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: أدعية الزهراء عليها السلام حيث حدثناك عن أحد أدعيتها في مقاطع متسلسلة، ونحدثك الآن عن أحد مقاطع الدعاء الجديد وهو (الهي اجعل ثاري على من ظلمني، وانصرني على من عاداني، اللهم لاتجعل مصيبتي في ديني، ولاتجعل الدنيا اكبر همي ولامبلغ علمي) 
هذا المقطع من الدعاء يتناول ظاهرة جديدة من السلوك المرتبط بقارئ الدعاء، حيث يتحدث عن الظلم الذي يلحقه، ولكنه من جانب أخر يتوسل بالله تعالى الا يجعل المصيبة في دينه، ولاهمه دنياه... وبهذا يتوازن التوسل بالله تعالى بين الدنيا والأخرة... 
المهم ان نحدثك اولاً عن العبارتين القائلتين (اللهم اجعل ثاري على من ظلمني، وانصرني على من عاداني)، تري ماذا نستلهم من النص المذكور؟ 
من حقائق التركيبة الأدمية انها تبحث عن الامتاع وتجتنب الألم، ولذلك فان قارئ الدعاء عنه ما يقول (انصرني على من عاداني)او يقول (اجعل ثأري على من ظلمني) انما يفصح عن التركيبة المشار اليها... كل ما في الامر ان الشخص ينبغي ألا يعزب عن ذهنه بان الانسان في كبد، اي ان الدنيا محفوفة بالشدة كما هو واضح، وعليه بالصبر حيال ذلك... بيد ان هناك سياقات خاصة نجد فيها ان الظلم الواقع على شخص ما يتطلب دفاعاً عن النفس، وهذا ما يمكن ان نفسر في ضوئه توسل الدعاء بان يجعل قارئ الدعاء ثأره على الظالم، اي يثأر لدفع الظلم وليس من اجل متاع دنيوي أو انتقام لامسوغ له... 
العبارة الثانية من المقطع وهي (انصرني على من عاداني) انما هي امتداد للاولى، حيث ان الاولى تطلب الثأر، والثأر بطبيعة الحال اما ينجح واما ان يخفق، ولذلك طلب الدعاء ان ينتصر على العدو... 
بيد ان ثمة ملاحظة جديدة هي ان العبارة الاولى تتحدث عن الظالم، والثانية عن العدو، ولذلك نحتمل – وهذا ما تفرضه عصمة الزهراء فينا – ان تكون العبارة الثانية متناولة لنمط أخر هو: العدو مطلقاً وليس الظالم فحسب... ان الظالم قد يسرقك، ويشتمك و...الخ، بينما العدو قد يعاديك من اجل دينك مثلاً، ولذلك نجد ان العبارة الثالثة تقول (اللهم لاتجعل مصيبتي في ديني، ولاتجعل الدنيا اكبر همي، ولامبلغ علمي)... وهذا يعني: ان العبارة المتقدمة (انصرني على من ظلمني) من المحتمل ان تتناول العداء العقائدي مثلاً... 
اخيراً يحسن بنا ان نحدثك عن عبارتي (لاتجعل الدنيا اكبر همي، ولامبلغ علمي...) ماذا نستلهم منهما؟ 
الجواب: من الواضح، ان هذه العبارة امتداد لسابقتها التي تتوسل بالله تعالى الا تكون المصيبة في الدين، مما يعني: ان مصائب الدنيا لاقيمة لها، ولذلك توسلت الزهراء عليها السلام الاتكون الدنيا اكبر همها بل الدين: كما هو واضح... 
يبقي ان نتساءل عن دلالة العبارة التي ختم بها المقطع وهي: (ولامبلغ علمي)... فماذا نستلهم؟ 
من البين، ان العلم او المعرفة هي القائدة للشخصية من تحديد موقفها العقائدي،.. لذلك فان المطلوب هو ان تعرف الشخصية وظيفتها العبادية في الحياة، وهي: الالتزام بمبادئ الله تعالى، فتكون الطاعة والحياة الأخرة ورضاه تعالى هي: المطلوبة، وهي غاية المعرفة او العلم الذي ينبغي ان تصدر الشخصية عنه... وهذا ما عبرت الفقرة (ولاتجعل الدنيا... مبلغ علمي)... 
اذن اتضح ما يعنيه المقطع الذي حدثناك عنه، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن عرف وظيفته في الحياة، وممن يوفقه تعالى الى الالتزام بالطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

*******