لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها ادعية الزهراء (عليها السلام) حيث حدثناك عن احد أدعيتها، وانتهينا من ذلك الي مقطع يتناول مجموعة من السمات الشاذة التي طالبت (عليها السلام) وتوسلت بان ينزع الله تعالي عن قارئ الدعاء أثرها مثل: الشك، العدوان، المكر، الخديعة، واخيراً: ثمة سمتان ختم بهما المقطع وهما: (البلية) و (الفساد)، فما هو المقصود منهما؟
بالنسبة الي (البلية)، فان الذهن يتداعي من هذه الكلمة الي مفهوم (الشدة) أو أية ظاهرة يبتلي بها الانسان بحيث تحتجزه عن القيام بممارساته اليومية: كالفقر الشديد أو الاهانة الاجتماعية، أو فقدان الامن. من هنا، فان التوسل بالله تعالي بان يبعد عنا هذه الشدة واما (الفساد) فان المقصود منه مطلق السلوك السلبي لدي الانسان: بخاصة ما يرتبط بالسلوك الاجتماعي، حيث ان الافساد في الارض يعني: ممارسة السلوك الشرير الذي ينعكس اثره علي الاخرين: كما هو واضح.
والآن بعد ان لاحظنا ان الزهراء (عليها السلام)، توسلت بالله تعالي بان ينقذنا من مختلف انماط السلوك السلبي: سواء أكان متصلاً بالشذوذ أو الاضطراب أم النزعة العدوانية، نقول: بعد أن توسلت الزهراء (عليها السلام) بالله تعالي بان ينزع هذه السمات السلبية من نفوسنا، نجد انها (عليها السلام) تشير الي الجوارح التي يصدر السلوك عنها عادة: كالسمع والبصر، وسائر الجوارح، وهذا ما عبرت الزهراء (عليها السلام) عنه بالكلمات الأتية التي ختم بها مقطع الدعاء، وهي: (سمعي، بصري، وجميع جوارحي، وخذ بناصيتي الي ما تحب وترضي، يا أرحم الراحمين).
والسؤال الآن هو: ماذا نستلهم من هذه الكلمات، وما تقترحه (عليها السلام) من البدائل؟
قلنا: ان جوارح الانسان هي التي تمارس السلوك السلبي او الايجابي: كالبصر حيث يستخدم الفاسق النظر الي ما حرم الله تعالي، او السمع الي ما حرمه الله تعالي من الغناء والغيبة والبهتان واما سائر الجوارح، فان الامر كذلك، فمثلاً ان جارحة (التذوق) من الممكن ان تتجه الي تناول المحرم من الاشياء: كالخمر أو الطعام غير المذكي، المهم: ان الزهراء (عليها السلام) حينما اكتفت بالاشارة الي السمع والبصر، فلانهما غالباً هما المصطلحان بالممارسات السلبية، بالقياس الي سائر الجوارح.
اخيراً نجد الزهراء (عليها السلام) بعد ان تتوسل بالله تعالي بان ينزع عنا كل الانماط من السلوك السلبي، تعقب قائلة: (وخذ بناصيتي الي ما تحب وترضي، يا ارحم الراحمين).
ان هذه العبارة الاخيرة (وخذ بناصيتي) تتضمن صورة فنية استعارية يحسن بنا لفت نظرك اليها حيث كان من الممكن ان تقول (عليها السلام): (ووفقني الي ما تحب وترضي) مثلاً لكنها قالت (خذ بناصيتي). ان الناصية هي مقدم الرأس او مقدم شعر الرأس، وعندما يجر الله تعالي الشخصية من ناصيتها فهذا يعني: انه يدفعها قهراً الي ما يريد تعالي، وهو: ما يحب ويرضي: كما عبرت الزهراء (عليها السلام) عن ذلك.
اذن ما اشد جمالية وطرافة الصورة المذكورة، التي تكشف عن ان الزهراء تطلب من الله تعالي بان يجعلنا ممن يحب ويرضي علي نحو الارغام، وهو منتهي الحب والرأفة والشفاعة من الزهراء (عليها السلام).
*******