لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها احد ادعية الزهراء (عليها السلام) حيث حدثناك عن ذلك في مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (سالتك لفقر وحاجة وذلة وضيقة وبؤس ومسكنة)، ان هذا النص او الفقرة من مقطع الدعاء يتضمن - كما نلاحظ ست حاجات متماثلة ومتجانسة ومتشابهة بخاصة في ظواهر مثل (فقر)، (حاجة)، (بؤس)،(ضيق)، (مسكنة) تتشابه الحاجات من حيث التكرار لمفهوم الفقر مثلاً وكذلك عبارة (ذلة) حيث يمكن درجها ضمن متطلباتالفقر ايضاً المهم الآن هو: ملاحظة الفوارق بين هذه الحاجات المتشابهة، حتي نتبين مدي دقة النصوص الشرعية في توجهها الي الله تعالي بحيث تتوسل به تعالي علي اشباع الحاجات في مختلف مستوياتها، سواء أكانت تتصل بشدة الفقر مثلاً أو متوسطه أو خفيفه او متصلة بما يواكب ذلك من ذلة أو ضيق.
ونتجه اولاً الي سمة (الفقر) حيث وردت في النص اولاً عبر عبارة (سالتك لفقر). فماذا نستخلص من العبارة؟
الفقر هو: بنحوه المطلق: الحاجة الي الاشباع، بغض النظر عن شدته او وسطه او خفيفه، وهذا ما يتسق بلاغياً مع اولي الحاجات التي يطلب الدعاء من الله تعالي ان يشبعنا اياها، اي: ان ينقذنا من الفقر حيث نعرف تماماً بان الطلب حينما يبدأ بما هو مجمل يحسن بعده التفصيل لمستويات الحاجة المجملة التي هي: التخلص من الفقر وهذا كله اذا اخذنا الفقر بمعناه المادي.
الاان ثمة استخلاصاً آخر من عبارة (الفقر)، هي: الفقير الي الله تعالي اي: الفقر المعنوي، بمعني اننا - كما يقول القرآن الكريم -«يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ» وحينئذ يمكننا ايضاً ان نفسر المصطلحات الاخري وفق الفقر المعنوي، ولكننا الآن سوف نقتنع بان الموضوع هو مادي بقرينة البؤس والمسكنة مثلاً حيث يعنيان مستويين من الفقر: كما سنوضح.
بالنسبة الي المفردة الثانية من النص وهي (الحاجة) فان التأرجح بين المعنيين: المادي والمعنوي يأخذ مسوغاته ايضاً، حيث انالحاجة الي الله تعالي قد تكون معنوية كتقوية الايمان به تعالي او مادية هي: الفقر او سواه من الحاجات. لكن عندما نتجه الي المصطلح الثالث وهو (الذلة) حينئذ تتصاعد احتمالاتنا للدلالة المعنوية لان المؤمن عزيز ولا يسمح لذل نفسه الا لله تعالي فحسب، من هنا، يمكننا ان نقرر بان عبارات (فقر، حاجة، ذلة) تحوم علي المعنيين كليهما: المادي والمعنوي.
ونتجه الي المصطلح الرابع (الضيقة) وكذلك المصطلح الخامس (البؤس) والسادس (المسكنة) لنجد ان الاحتمال الذاهب الي الدلالة المادية هو الاقرب بصفة ان الضيق يقترن عادة بالحاجة المادية، وكذلك فان مصطلحي (البؤس والمسكنة) يتصلان بالحاجة المادية.
اذن لنوضح البؤس والمسكنة والفارق بينهما: تشير النصوص اللغوية الي ان (البؤس) هو اقل درجة من (المسكنة) وفي ضوء هذه الفارقية نعود الي ادق الحاجات التي نتجه بها الي الله تعالي لانجازها حيث ان الشدة (كالفقر ونحوه) كما لاطاقة للانسان بتحمله في درجة متوسطة كذلك من باب اولي عدم تحمله في درجته العالية والمهم في الحالات جميعاً نكرر بان الحاجات الست التي عرضتها الزهراء (عليها السلام) سواء اكانت ذات طابع مادي او معنوي، وسواء أكان بعضها مادياً والاخر معنوياً ففي الحالات جميعاً ثمة ملاحظة في غاية الأهمية هي ان الله تعالي واسع الرحمة، واسع المغفرة، واسع الستر، حيث نتجه اليه تعالي في التوسل بانجاز حاجاتنا جميعاً: ان يوفقنا الي ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الي النحو المطلوب.
*******