نحن الآن مع احد مقاطع الادعية، وهو دعاء الزهراء (عليها السلام)، حيث حدثناك عن بعض مقاطع الدعاء، ونحدثك الآن عن أحدها، حيث ينتهي المقطع بالاشارة الي هذه الظواهر أو مظاهر عظمة الله تعالي وهي ان الله تعالي هو: (الواضح البرهان،الرَّحِيمِ، الرَّحْمَنِ، المنعم المنان،...)، ان هذه المظاهر تتحدث عن عظمة الله تعالي في نطاقات متفاوتة، اولها هو: عبارة (الواضح البرهان) والسؤال هو: ماذا تعني العبارة اولاً؟
ثم ماذا نستلهم من دلالتها بالنسبة الي سلوك القارئ للدعاء، حيث نفترض دواماً ان قارئ الدعاء لا يكتفي بمجرد القراءة بل يستهدف تعديل سلوكه من مضمونات الدعاء ونكرر السؤال: ماذا تعني عبارة (الواضح البرهان)، وماذا نستلهم منها؟
في تصورنا ان الدلالة لعبارة (الواضح البرهان) واضحة ولكن الاستلهام منها يحتاج الي تعقيب فنقول: ان ظاهرة توحيده تعالي لا تحتاج الي تدليل بخاصة ان القرآن الكريم صرح بوضوح بان الله تعالي فطر الناس علي التوحيد، بالاضافة الي مامنحه من الادراك لما هو بديهي ونسبي من الامور، وفي مقدمة ذلك: قانون العلة، وحينئذ فان توحيده تعالي والتسليم بعظمته وهيمنته ورحمته يظل من البداهة بمكان، من هنا ندرك دلالة عبارة (الواضح البرهان)، بيد ان السؤال هو: ماذا نستلهم من العبارة؟
الجواب: مما لا ترديد فيه ايضاً ان التسليم بعظمته تعالي، مادام مقترناً بما هو نظري وواضح، حينئذ فان ادراكنا للحقيقة المتقدمة تجعلنا متواصلين مع الله تعالي من زاويتين، احداهما تعميق المعرفة بعظمته والاخري: الطمع برحمته، اي: نتوسل الي الله تعالي بانجاز حاجاتنا دنيوياً واخروياً.
بعد ذلك نواجه عبارة «الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وهي عبارة لا تحتاج بدورها الي توضيح من حيث ارتكانها وارتباطها بالعبارة السابقة حيث قلنا ان عظمته ورحمته تحمل القارئ للدعاء علي الاستعانة به من جانب، وتعميق المعرفة به من جانب آخر وها هي عبارة الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تضطلع بهذه المهمة وهي: ان نتوسل برحمته التي لا حدود لها بالنسبة الي انجاز حاجاتنا وتعميق معرفتنا وتوحيده وتعظيمه.
هنا ينبغي لفت الانتباه الي مفهوم الرحمة، حيث جاءت العبارة بمصطلحين هما: الرَّحِيمِ، الرَّحْمَنِ، حيث نعرف تماماً كما ورد في تفسيرهما ان الرَّحِيمِ هو من يرحمه تعالي من الخاصة، واما العامة فينسحب عليهم مصطلح ما يفيض به تعالي عليها تبعاً لما تتضمنه عبارة الرَّحْمَنِ من الدلالة علي الرحمة العامة.
اخيراً نواجه عبارة (المنعم المنان) وهي عبارة امتدادية لسابقتها، حيث ان الرحمة هي عنوان شامل تندرج ضمنه مصاديق الرحمة المتنوعة من الشفقة والرفق والحنان والمنة والنعمة والاحسان والمعروف، وقد انتخب الدعاء من المصاديق المذكورة اثنين من مفهومات الرحمة هما: (المنعم) و (المنان). فماذا يعنيان؟ وماذا نستلهم منهما؟
ان النعمة هي: اللين، والطيبة، والسعة والرفاه واما المنة فهي: الانعام او ارسال النعمة من غير تعب يحصل لمن يعينه تعالي.
اذن ثمة مستويان من الرحمة احدهما: هو تحقيق السعادة او الرفاهية مطلقاً والاخر تحقيقها من غير تعب يحصل لصاحبها، حيث ان الله تعالي يمن علي عبده بما لا يستحقه العبد، انه تعالي يعطيه من دون سؤال، ويوسع عليه الراحة من دون استحقاق وهذا هو منتهي الرحمة كما هو واضح.
*******