وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وأفضل صلواته وصلوات ملائكته المقربين على أبواب رحمته للخلائق أجمعين محمد وآله الأطيبين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين معكم في لقاء آخر من هذا البرنامج نتابع فيه إستلهام دروس الحياة الطيبة من أدعية أهل بيت النبوة (عليهم السلام) ومنها دعاء مولانا إمام العصر المهدي (عجل الله فرجه) في قنوت صلواته والذي رواه السيد الجليل علي بن طاووس في كتاب مهج الدعوات.
وكان إستاذنا الفاضل المرحوم الدكتور محمود البستاني (رضوان الله عليه) قد كتب قبل وفاته أربع حلقات من هذا البرنامج في شرح هذا الدعاء المبارك هي الحلقات الأربع السابقة لهذه الحلقة، نتابع شرح ما تبقى من هذا الدعاء ونهدي ثوابه لروح المرحوم الحاج البستاني، والمقطع الذي إنتهى إليه رحمه الله هو قول الإمام المهدي (عليه السلام) في قنوته: (اللهم ... وإن الغاية قد تناهت، وإنا لغضبك غاضبون، وإنا على نصر الحق متعاصبون، والى ورود أمرك مشتاقون، ولإنجاز وعدك مرتقبون، ولحلول وعيدك بأعدائك متوقعون، اللهم فأذن بذلك وإفتح طرقاته، وسهّل خروجه، وأشرع شرائعه، ... يا أرحم الراحمين).
هذا المقطع من الدعاء يأتي - مستمعينا الأفاضل- يأتي بعد الإستشهاد بآيات كريمة تشير الى أن العذاب الإلهي ينزل بعد إتمام الحجة على الظالمين وبعد إنتشار طغيانهم وإفسادهم في الأرض، وفي سياق الإشارة الى هذه الحقيقة تنبهنا الفقرات اللاحقة الى أن المؤمنين ينبغي أن يكون غضبهم ليس لأنفسهم بل لله عزوجل، بمعنى أن يكون غضبنا من أجل ما يلحقه طغيان الظالمين وإفسادهم بالبشرية من أضرار فادحة معنوياً ومادياً، ولذلك قال الدعاء: (وإنا لغضبك غاضبون).
والى جانب هذه الفائدة التربوية التي تؤكدها الفقرات اللاحقة من المقطع المتقدم، هناك فائدة تربوية نستلهما من الفقرة الأولى وهي قول الدعاء: (وإن الغاية عندنا قد تناهت)، هذه الفائدة التربوية نقرأها في إستخدام الدعاء ظرف (عندنا)، ففيه إشارة لطيفة الى أدب المؤمن في عدم تحتيم شيء على الله عزوجل، وإيكال الأمر الى علم الله جل جلاله، بمعنى أننا نخاطبه تبارك وتعالى بما مؤداه: إننا غاضبون لغضبك لأننا نرى أن الطغيان والظلم قد وصلا أقصى مراتبها وعلى ذلك نطلب أن تنزل عذابك الماحق بهم، لكننا نصبر إن كان في علمك أن إمهالك للظالمين والطاغين لم يصل بعد الى غايته ولا زال الأمر يتطلب من عبادك صبراً حتى تقضي بما أنت قاض.
أيها الأخوة والأخوات، وثمة فائدة تربوية أخرى نتعلمها من قول مولانا إمام العصر المهدي (عجل الله فرجه) في دعاء قنوته: (وإنا على نصر الحق متعاصبون)، فهنا نلاحظ أن هذه الفقرة تنبه المؤمنين الى أن يكون تعصبهم هو نصرة الحق وليس ثأراً لأنفسهم، فهم يجاهدون الظالمين لكي يقوموا حاكمية الحق والعدل في الأرض.
أما الفائدة التربوية التي نستلهمها من فقرة: (والى ورود أمرك مشتاقون) فهي أن من خلق المؤمن أن يكون دائم الشوق لإنتصار الحق الإلهي لأن فيه خير وصلاح البشرية جمعاء؛ فهو يتفاعل مع الأوامر بعقله وقلبه ومشاعره.
وفي قول الدعاء: (ولإنجاز وعدك مرتقبون) إشارة لطيفة الى أن المؤمن ينبغي أن يكون شديد الثقة والطمأنينة بوعد الله عزوجل، والتعبير الوجداني عن هذه الثقة والطمأنينة بدوام إنتظاره لتحقق الوعد الإلهي بمليء الأرض قسطاً وعدلاً دون أن تضعف من هذا الإنتظار والترقب قوة طغيان الظالمين والطواغيت، هذه الفائدة التربوية نلمحها في الفقرة اللاحقة من الدعاء وهي قول الداعي: (ولحلول وعيدك بأعدائك متوقعون).
مستمعينا الأفاضل، وثمة فائدة مهمة أخرى نستلهمها من الفقرة المتقدمة من الدعاء المهدوي وهو قوله (عليه السلام): (ولحلول وعيدك بأعدائك متوقعون) إذ نلاحظ أن الدعاء إستخدم تعبير (بأعدائك)، وفي ذلك إشارة الى الوعيد الإلهي - أي الوعد الصادق بانزال العذاب الماحق- متوجه الى أعداء الله عزوجل وليس الى عموم البشر، فلا ينبغي لغير أعداء الله الخوف من نزول هذا العذاب، بل على العكس عليهم أن يستبشروا به ويتوقعوه لأنه يعني مقدمة ملىء الأرض قسطاً وعدلاً، فلا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بازالة حاكمية أعداء الله الذين ملاؤا الأرض ظلماً وجوراً.
وإضافة لذلك، فإن في التذكير بحقيقة أن العذاب الإلهي المرتقب متوجه الى أعداء الله تحذيراً لعموم الناس بضرورة الإبتعاد عن جبهة المعادين لله وعباده لكي لا يصيبهم شيء من هذا العذاب الماحق، أجارنا الله وإياكم منه ببركة التمسك بولاية صفوته المقربين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
أيها الأحباء شكراً على حسن المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) إستمعتم لهذه الحلقة مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، الى لقاءنا المقبل نترككم في رعاية الله.