وقال لرجل من بني سعد: "ألا أحدثك عني وعن فاطمة؟ إنها كانت عندي وكانت من أحب أهله صلى الله عليه وآله وسلم إليه، وإنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد. فقلت لها: "لو أتيت أباكِ فسألتيه خادمًا يكفيكِ ضر ما أنتِ فيه من هذا العمل". فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوجدت عنده حداثًا، فاستحت فانصرفت". قال علي عليه السلام: "فَعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها جاءت لحاجة، قال عليه السلام: "فغدا علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أفلا أعلمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فسبحا ثلاثًا وثلاثين واحمدا ثلاثًا وثلاثين وكبرا أربعًا وثلاثين"[1].
معونة الزوج وإرضاؤه:
لقد كانت السيدة الزهراء عليها السلام تشجع زوجها، وتمتدح شجاعته وتضحيته، وتشد على يده للمعارك المقبلة، وتسكن جراحه، حتى قال الإمام علي عليه السلام: "ولقد كنت أنظر إليها فتكشف عني الغموم والأحزان بنظري إليها"[2]. ولقد كانت حريصة كل الحرص في القيام بمهام الزوجية، وما خرجت فاطمة عليها السلام، وما أسخطته يومًا وما عصت له أمرًا. وقابلها الإمام علي عليه السلام بالاحترام والود نفسَيْهما، وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرفيعة، حتى قال: "فوالله ما أغضبتها ولا أكربتها من بعد ذلك حتى قبضها الله إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرًا".
لا تكلفه ما لا يقدر عليه:
عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ساغبًا، فقال: "يا فاطمة هل عندك شيء تغذينيه؟"، قالت: "لا، والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي، وعلى ابني هذَيْن (الحسن والحسين)"، فقال علي عليه السلام: "يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئًا؟"، فقالت: "يا أبا الحسن، إني لأستحي من إلهي أن أكلف نفسك ما لا تقدر عليه"[3]. فكانت فاطمة عليها السلام تستوعب الظروف الاقتصادية الصعبة لزوجها وتحتملها بصبر وحلم، ولم تكن تفرض عليه شيئًا أو تلحفه بطلب يفوق طاقته. ولهذا يشيد القرآن[4] في مواقع كثيرة بهذه الأسرة التي تُمثل أفضل نموذج أسري يمكن الاحتذاء به.
وكانت العلاقة العاطفية في هذه الأسرة شديدة العمق، وتصور الجملة الآتية من الإمام عمق الترابط العميق والسليم بينهما: "تالله لم أُغضب فاطمة يومًا ولم أجبرها على شيء قط، وهي أيضًا لم تُغضبني ولم تُخالف أمري قط، وكنت أنظر إليها فتتبدد جميع أحزاني وهمومي"[5]. وكان علي عليه السلام يُبادلها هذه المشاعر، إذ قال وقت استشهادها: "أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم"[6].
من كتاب الزواج في الإسلام
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 43، ص 85.
[2] الموفق الخوارزمي، المناقب، تحقيق الشيخ مالك المحمودي - مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ربيع الثاني 1414ه، ط 2، ص 353.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 43، ص 59.
[4] آية التطهير وأيضًا سورة الكوثر، وسورة الإنسان، وسورة الأحزاب.
[5] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج43، ص85.
[6] نهج البلاغة، الخطبة 202، ص 320.