بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وله الحمد نصير الصالحين ومبير الظالمين وأطيب صلواته وتحياته علي معادن حكمته وكنوز رحمته وعدله للعالمين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين، نتابع أيها الأعزاء استلهام دروس الحياة الكريمة الطيبة من دعاء المعرفة الجليل الذي أمرنا مولانا الإمام المهدي (أرواحنا فداه) بتلاوته في عصر الغيبة خاصة بعد صلاة العصر من يوم الجمعة.
لنا في هذا اللقاء وقفة أخري عند المقطع الذي ندعو الله عزوجل قائلين: (اللهم اكف وليك وحجتك في أرضك، هول عدوه، وكيد من كاده، وأمكر بمن مكر به، وأجعل دائرة السوء علي من أراد به سوءاً، وأقطع عنهم مادتهم، وأرعب له قلوبهم، وزلزل له أقدامهم، وخذهم جهرة وبغتةً، وشدد عليهم عذابك، وأخزهم في عبادك، والعنهم في بلادك، ... ).
الفقرة التي انتهينا إليها - مستمعينا الأفاضل - هي قول الداعي: (وزلزل له أقدامهم)، أي زلزل لصالح خليفتك المهدي (عليه السلام) إقدام أعدائه. ومعني (التزلزل) في اللغة هو تكرار زلة القدم مرة بعد أخري، والمقصود هو الإضطراب وعدم الثبات، وعليه يكون معني الفقرة هو أننا نطلب من الله جلت قدرته أن يسلب الطواغيت المحاربين لوليه المهدي الإستقرار الذي يمكنهم من الكيد والتآمر ضد الحركة الإصلاحية المهدوية.
وقد يتحقق هذا التزلزل والإضطراب بأشغالهم بأمور أخري تزيلهم - أي تبعدهم - عن الكيد للمؤمنين، نظير ما حدث في معركة الخندق من إضعاف التحالف بين المشركين واليهود وصرفهم عن محاربة رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وكان ذلك نتيجة إثارة الشكوك والإتهامات المتقابلة بين المشركين ويهود المدينة كما ورد في الرواية المعروفة، فوقع اليأس بينهم وعجزوا عن مواجهة المسلمين.
وفي الفقرة اللاحقة ندعو الله عزوجل قائلين: (وخذهم جهرة وبغتة)، وهذا التعبير مستلهم من القرآن الكريم كما في قوله عز وجل في الآية ٤٤ من سورة الأنعام: «فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ، أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً، فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ».
وقوله عز من قائل في الآية ۹٥ من سورة الأعراف: «فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ»، وقوله جل جلاله في الآيتين ٤۱ و ٤۲ من سورة القمر: «وَلَقَدْ جَاء آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ، كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا، فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ».
ومن هذه الآيات يتضح أن معني (الأخذ) هنا هو إنزال العذاب الماحق بعد تمام الحجة وانتهاء الإمهال الإلهي للظالمين.
أما الأخذ جهرة فهو يعني أن يكون إنزال العذاب بالظالمين مشهوداً للناس يبين انكسارهم في حين أن الأخذ بغتة يعني أن يكون إنزال العذاب بهم بصورة مفاجأة ومن حيث لا يحتسبون فلا يستطيعون فعل أي شيء لدفعه أو الفرار منهم. يبقي أن نشير فيما يرتبط بهذا الفقرة من الدعاء إلي أن إنزال العذاب بالظالمين يكون طبق السنة الإلهية بأيدي عباد الصالحين، وعليه يكون أخذهم بغتة سبباً لقمع شرورهم بالحسد الأدني من الخسائر.
وندعو الله جل جلاله في الفقرة اللاحقة من الدعاء قائلين: (وشدد عليهم عذابك، وأخزهم في عبادك، والعنهم في بلادك).
واضح أن تشديد العذاب يعني مضاعفته والهدف أن لا تقوم لهم قائمة مرة أخري فيواصلون الإفساد في البلاد وإضلال وظلم العباد. أما معني (الخزي) فهو إظهار هوانهم وذلهم وانكسارهم وضعفهم وقلة قدرهم وبيان حقيقة ظلمهم للعباد وإفسادهم في البلاد.
وتخصيص أن يكون خزيهم في عِبَادِ اللَّهِ يعني أن تتضح فضيحتهم للناس ويظهر لهم فسادهم وانكسارهم وضعتهم وومعاداتهم لله وخلقه عز وجل والهدف من هذا التخصيص هو أن لا ينخدع العباد بشعارات الطواغيت البراقة ولكي يتخلصوا بالتالي من شرورهم ومن التحول إلي أدوات لتحقيق مطامعهم فلا تقوم بعد ذلك لهم قائمة كما أشرنا.
أما معني اللعن - مستمعينا الأفاضل - فهو الطرد والإبعاد من الرحمة الإلهية وهو - مع الخزي - من العقوبات التي أعدها الله عزوجل للظالمين في الدنيا إشفاءً لصدور عباده الذين أصابهم أولئك الظالمون بأنواع الإيذاء والعذاب وتخصيص أن يكون هذااللعن في (بلاد الله) يشير إلي أن يكون هذا اللعن والإبعاد من رحمته في الحياة الدنيا وليس في الآخرة فقط، وهذا يعني أننا نطلب من الله عزوجل أن يقطع عنهم رزقه ورحمته ويخزيهم بعد ظهور أن استمرار إمهالهم لن يؤدي إلي ارتداعهم عن الظلم والإفساد في الأرض.
وإلي هنا ننهي أيها الأحبة لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، شكراً لكم والى اللقاء.