بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والحمد حقّه كما يستحقه حمداً كثيراً حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده ويمتري العظيم من فضله ونداه، الحمد لله مانح الأعلاق وفاتح الأغلاق معزّ الحقّ وناصره ومذل الباطل وقاهره.
وصلّى الله على خير من افتتحت بذكره الدعوات واستنجحت به الطلبات، مفتاح الرحمة ومصباح الظلمة، خير مولود دعا إلى خير معبود. وعلى آله الذين عظّمهم توقيراً وطهرهم تطهيراً، أعلام الإسلام وأيمان الإيمان، الذين أذهب الله عنهم الأرجاس وطهرهم من الأدناس، وجعل مودته أجراً له على الناس، زينة الحياة وسفينة النجاة وشجرة الرضوان، الأخيار الطاهرين ولا سيما بقية الله في الأرضيين المؤمل لإقامة الأمت والعوج، ناشر العدل في الطّول والعَرض الحجة المهدي المنتظر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
إليك سيدي أيها الإمام المنتظر وأنت المعزّى في هذه الذكرى الأليمة أحر التعازي نرفعها مضمخة بعطر الولاء المقدس.
والعزاء موصول إلى مقام المرجعية الدينية العُليا متمثلة بسماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) وإلى مراجع الدين العظام وإلى علمائنا الربانيين العاملين في مشارق الأرض ومغاربها وإلى أبناء الأمة الإسلامية جمعاء وإلى كلّ أحرار هذا العالم في ذكرى شهادة مولانا الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام).
وفاءً لأولئك الأمجاد الذين لبوا نداء الحقّ فأفترشوا تراب السواتر والتحفوا بارود المعارك حتى ضمخوا بدماء الشهادة العالية، عنهم أقول:
( السلام على الإمامين الهمامين موسى بن جعفر الكاظم ومحمد بن علي الجواد من تلك الأرواح التي غادرتنا حاملة بريد الوفاء للعترة الطاهرة، واننا يا سيدي نستودعكما تلك الأرواح حتى تسقى من كأس المولى أمير المؤمنين ريا رويا، ورحمة الله وبركاته) والتحيات الغاديات الرائحات لشهدائنا الأبرار. تحية إجلال وإكبار إلى الرجال الرجال من المجاهدين الأبطال من قواتنا الأمنية بجميع صنوفها، ومن ساندهم وفق فتوى سماحة السيد السيستاني (دام ظله الوارف) تحية لتلك العساكر التي تتابعت أفواجها وتدافعت أمواجها، جيوش تقوى الله زادها ونصر الله عتادها، فسطّروا الملاحم الكبرى حتى أهبّ الله لهم ريح النصر وَحَكَمَ لهم بالعلو والقهر وأنجز لهم وعده وأظهر جنده .
أيها المعزون الكرام.
تقوم العتبات المقدسة بفضل الله ورسوله وآله بجهود عظيمة مشكورة أهمها خدمة زائري الأئمة الأطهار .
وإننا وفي هذه المناسبة لنُشيد بنزاهة الأخ الأستاذ الدكتور جمال الدباغ الأمين العام السابق لهذه العتبة المقدسة ودقة إدارته وتفانيه في أداء مهمته فجزاه الله خيراً.
وفي الوقت ذاته نشد على يدِ الأخ الأستاذ الدكتور حيدر الشمّري الأمين العام الحالي للعتبة المقدسة والذي بورك له كسابقه من قبل المرجع الديني الأعلى في القيام بخدمة الإمامين الكاظمين سلام الله عليهما لدورة قانونية كاملة، نسأل الله العلي القدير لهُ وللعاملين معه تمام الموفقية والنجاح. وإننا لنشيد بذلك الدور الرائع الذي قامت به العتبات الشريفة في تنسيقها مع ممثلية المرجعية الدينية – مسجد آل ياسين – وما أظهرته إدارتها من تنسيق عالي المستوى، ذلك التنسيق الذي تمخض عن مئات بل الآف من المتطوعين والمتطوعات في المناسبات الدينية المختلفة ولا سيما في ذكرى شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام) وزيارة الأربعين، فلهم الشكر والإمتنان.
كما وقد سعت المرجعية والحوزة العلمية في النجف الأشرف عن طريق مشروعها التبليغي الذي ضمّ تلك الأعداد الغفيرة من طلبة العلم الأفاضل والمبلّغين الكرام والمبلّغات الكريمات، شَكر الله سعيهم جميعاً، إلى تفعيل الحالة الاجتماعية بين الكوادر العلمية والساحة الجماهيرية المؤمنة مستثمرة تلك المناسبات المليونية لبث المعرفة والتوجيه الديني بالإسلوب الحضري المناسب.
إن إحياء ذكرى المعصوم ولا سيما ذكرى الشهادة يمثل وجهاً ناصعاً من وجوه أداء أجر الرسالة الخاتمة التي بلّغَها الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقد جاء في سورة الشورى المباركة قوله تعالى: (بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وهذه المودة هي الحُبّ المعبر عنه بالمواقف أخذت اليوم في هذا الحرم الطاهر شكل العزاء هذا ورُفعت رايات الحزن والحداد في ذكرى شهادة تاسع الأئمة الهداة إمامنا محمد الجواد (عليه السلام).
في هذه الساعة نُعلن العزاء لأجل إمامٍ عبّر عنه أبوه الإمام الرضا (عليه السلام) بأنه المولود الذي لم يولد في الإسلام أعظم بركة منه فبولادته (عليه السلام) انقطعت حجة الواقفة والمشككين الذين وقفوا على القول بإمامة الإمام الكاظم (عليه السلام) ولم يقولوا بإمامة الإمام الرضا (عليه السلام)، فلما بزغ نور الجواد (عليه السلام) ثبتت قلوب المؤمنين ودحضت حجة المشككين.
وقد كانت إمامته المباركة ممثلة لأول أنموذج من نماذج الإمامة المبكرة أذ آلت إليه أمور الإمامة وهو إبن سبع سنين، الأمر الذي لم تعهده الأمة الإسلامية من قبل، ولكن الله تعالى بالغ أمره، وفي هذا الصدد يروي لنا العياشي بإسناده عن علي بن أسباط قال : (قدِمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام وهو اذ ذلك خماسي ” أي طوله خمسة أشبار” فجعلت أتأمله لأصفه لأصحابنا بمصر، فنظر اليّ وقال : يا علي أن الله أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة فقال سبحانه عن يوسف ” وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ” وقال عن يحيى ” وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا” ).
وما جاء في الكافي عن الخيراني عن أبيه قال: كنت واقفاً بين يدي أبي الحسن عليه السلام بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي إن كان كون فإلى من ؟ قال: إلى أبي جعفر ابني، فكان القائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام فقال أبو الحسن عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم عليه السلام رسولاً نبياً، صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي في أبو جعفر.
أخوتي أخواتي..
قد كانت الولادة المباركة للإمام الجواد أرواحنا فداه في السنة الخامسة والتسعين بعد المائة للهجرة لتكون شهادته في آخر ذي القعدة من السنة العشرين بعد المائتين فلم يتعد عمره الشريف خمسةً وعشرين سنة إلّا إنه عُمُرٌ كان على قصره زاخراً بذلك العطاء الثر وتلك التضحيات الجمة، قد تطول الأعمار لا خير فيها .. ويضم الأمجاد يوم قصير.
وقّدَم للعالم الإسلامي ثلة من الأصحاب الذين حفظوا لنا تراث النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين فاق عددهم المائة والتسعين من الرواة. وقد تصدى سلام الله عليه لبناء الجماهير المسلمة بناءً عقدياً وفقهياً صحيحاً عن طريق ما بثه من علوم في أصحابه وما صدر عنه من سلوك ومعايشة. ومما أثر عنه (عليه السلام) قوله : لا تكن ولياً لله في العلانية عدواً له في السر، وقوله صلوات الله عليه : موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر.
وفي الختام هي دعوة إلى جماهيرنا المسلمة وإلى شبابنا خاصة أن يتخذوا من ذكرى الجواد (عليه السلام) نقطة إنطلاق لهم نحو حياة كريمة تحت مظلة الإسلام المحمدي الأصيل .
وسلام على الجواد يوم ولد وسلام عليه إماماً وسلام عليه يوم إستُشهد وسلام عليه يوم يبعث حياً، والسلام عليكم أيها الأخوة والأخوات جميعاً ورحمة الله وبركاته وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على عباده الذين أصطفى محمد وآله الغر الميامين وسلم تسليماً كثيراً.