بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وله الحمد والمجد، أرحم الراحمين، وصلواته الناميات وبركاته المترادفات على صفوته ومعادن حكمته وكنوز رحمته خاتم الأنبياء وآله النجباء.
السلام عليكم أيها الأعزاء معكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نتابع فيها استلهام حقائق العدل الإلهي من دعاء المعرفة الجليل الذي أمرنا مولانا إمام العصر المهدي بتلاوته في عصر غيبته (عجل الله تعالى فرجه). لنا في هذا اللقاء وقفة أخرى عند مقطعه الذي ندعو به الله جل جلاله قائلين: (اللهم إنا نسألك أن تأذن لوليك في إظهار عدلك في عبادك، وقتل أعدائك في بلادك، حتى لا تدع للجور يا رب دعامة إلا قصمتها، ولا بقية إلا أفنيتها، ولا قوة إلا أوهنتها، ولا ركناً إلا هدمته، ولا حداً إلا فللته، ولا سلاحاً إلا أكللته، ولا رآية إلا نكستها، ولا شجاعاً إلا قتلته، ولا جيشاً إلا خذلته).
في بداية هذا المقطع نطلب من الله عزوجل أن يأذن لوليه وخليفته الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بإظهار عدله الشامل في عباده، أي أن يحقق وعده الحتمي بأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.
وملأ الأرض قسطاً وعدلاً يستلزم تطهيرها بالكامل من كل ظلم وجور، وحيث أن دولة أهل البيت (عليهم السلام) هي آخر الدول، كما صرحت بذلك الأحاديث الشريفة، فهذا يعني خلوها بالكامل من إمكانات عودة الظلم والجور بأي شكل من أشكاله.
ولذلك نطلب من الله عزوجل في هذا المقطع استئصال جميع جذور الظلم والجور وهذا ما نطلبه في سائر فقرات المقطع المتقدم من الدعاء المهدوي.
وعندما يعلمنا الدعاء أن نطلب من الله عزوجل ذلك، فهذا يعني تعليمنا وسائر الْمُؤْمِنِينَ الإهتمام بالسعي لإستئصال جميع جذور الظلم والجور التي تعرفنا هذه الفقرات من الدعاء بها، إذ أن سنة الله جلت حكمته قد جرت على إجراء الأمور بأسبابها وتحقيق إرادته على أيدي الْمُؤْمِنِينَ من عباده لكي ينالوا بذلك جزيل الثواب.
مستمعينا الأفاضل، جاء في هذا المقطع من الدعاء المهدوي: (حتى لا تدع للجور يا رب دعامة إلا قصمتها، ولا بقية إلا أفنيتها، ولا قوة إلا أوهنتها).
عرفنا في الحلقة السابقة أن قصم دعامة الجور تعني تهشيم مرتكزات الجور لكي ينهار بإنهيارها، ثم نطلب من الله جلت قدرته أن يفني كل (بقية) للجور، وبقية الشيء هي ما تكمن فيه خصائصه وصفاته وعليه يكون المطلوب هنا هو محو كل ما فيه صفات الجور التي يمكن أن تظهر لاحقاً إذ توفرت فيه القوة اللازمة ولذلك نطلب من الله عزوجل في الفقرة اللاحقة أن يوهن، أي يضعف كل قوة للجور كي ينهي إمكانية أن يظهر ثانية بين العباد سواء كان بشكل جور على أنفسهم أو على الآخرين، ومن مصاديق ذلك مثلاً إضعاف نزعات التسلط أو الإسراف والإنغماس في الشهوات ونظائر ذلك.
وفي الفقرة اللاحقة نطلب من الله جل جلاله أن لا يدع للجور ركناً إلا هدمه، والركن هو ما يلجأ إليه الإنسان إذا تعرض لموقف لا يقدر على مواجهته كما هو المستفاد مما جاء على لسان نبي الله لوط (عليه السلام) عندما رأى نفسه عاجزاً عن مواجهة قومه الفاسقين وهم يريدون الإعتداء على ضيوفه الذين لم يكن قد عرف بعد أنهم الملائكة الذين أرسلهم الله لإنزال العذاب بقومه، فلما رأى نفسه عاجزاً عن مواجهة قومه قال: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً، أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»، أي أنه تمنى اللجوء إلى ركن يعينه على دفع أذى قومه.
من هنا يتضح أن المطلوب في هذه الفقرة هو هدم كل ملجأ يمكن للجائرين والظلمة الإلتجاء إليه والإستعانة به في مواجهة جهود المهدي وأنصاره (عليه السلام) لأنها جميع أشكال الظلم والجور.
وفي الفقرة اللاحقة ندعو الله عزوجل قائلين: (ولا حداً إلا فللته، ولا سلاحاً إلا أكللته، ...) والمعنى هو طلب تدمير أي حصن يمكن للجائرين والظلمة أن يتحصنوا به ويتخندقوا خلفه، فمعنى (الحد) هنا هو ما يوضع لمنع تقدم المهاجمين من التقدم ومعنى(فله) هو تدميره.
أما معنى (إكلال السلاح) فهو الفاعلية والقدرة على التأثير وعليه يكون المطلوب هنا سلب أسلحة الجائرين القدرة على التأثير وتحقيق أهدافهم الظالمة، سواء كانت هذه الأسلحة قتالية مباشرة أو فكرية أو إقتصادية وغير ذلك.
والمعنى إنهاء فاعلية أسلحة الجائرين والظلمة في قهر الناس أو إضلالهم وتطويعهم لمطاع الطواغيت والجبابرة.
وإلى هنا نكون أيها الأخوة والأخوات قد وصلنا إلى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً لكم ودمتم في رعايته سالمين.