بسم الله وله عظيم الحمد ملجأ المستضعفين وغياث المستغيثين وأرحم الراحمين وصلواته المتناميات وبركاته المترادفات على كنوز رحمته ومعادن حكمته محمد وآله الطيبين.
السلام عليكم إخوتنا وأخواتنا وأهلاً بكم في لقاء اليوم مع ينابيع الرحمة الإلهية المنثورة في أدعية أهل بيت النبوة المحمدية (عليهم السلام) ومنها دعاء عصر الغيبة، وقد وصلنا في تأملاتنا فيه الى المقطع التالي الذي نتوجه فيه الى الله تبارك وتعالى قائلين: ( اللهم إنّا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة ولينا، وشدة الزمان علينا، ووقوع الفتن بنا، وتظاهر الأعداء علينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، اللهم ففرج ذلك بفتحٍ منك تعجّله، ونصرٍ منك تعزه، وإمام عدلٍ تظهره، إله الْحَقِّ آمين رَبَّ الْعَالَمِينَ).
يحمل المقطع المتقدم من دعاء المعرفة رسالة مهمة من إمام العصر خليفة الله المهدي وهو (عليه السلام) منشأ هذا الدعاء، الى مؤمني عصر الغيبة خاصة أن يحملوا في قلوبهم دوماً همَّ فقد النبي الأكرم: (اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة ولينا، وشدة الزمان علينا ووقوع الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا، وكثرة عدونا وقلة عددنا، اللهم ففرج ذلك بفتحٍ منك تعجله ونصرٍ منك تعزه، وإمام عدلٍ تظهره، إله الْحَقِّ آمين رَبَّ الْعَالَمِينَ).
وغيبة خاتم أئمة عترته الطيبين الذين فيهم ترى أخلاق وشمائل وسنة جدهم الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وعليهم).
وقد تحدثنا مفصلاً عن معنى ودلالات هذه الرسالة في الحلقة السابقة من البرنامج، ونبدأ هنا بالعبارة الثانية، فما معنى أن نشكو الى الله عزوجل (شدة الزمان علينا)؟
يبدو - مستمعينا الأفاضل- أنّ تعبير شدة الزمان علينا يشير الى الصعوبات التي يقايسها المؤمنون خاصة في عصر الغيبة، وهي الصعوبات المذكورة في سائر فقرات المقطع المتقدم، أما ذكر (شدة الزمان) بصورةٍ مستقلة ففيه إشارة الى تظافر كل هذه الصعوبات الأساسية منها المذكورة في المقطع الدعائي، يضاف إليها سائر الصعوبات الأخرى المتفرعة عنها.
وعليه يكون معنى العبارة هو: إننا نشكو الى الله عزوجل اجتماع مختلف أشكال الصعوبات والمشاقِّ علينا في هذا العصر.
أما في العبارة التالية فإننا نشكو الى الله عزوجل وقوع الفتن بنا، ولمعرفة معناها، ينبغي أن نعرف معنى (الفتن) أولاً.
الأصل الذي اشتقت منه مفردة (الْفِتْنَةُ) هو (الفتن)، وقد ذكرت كتب اللغة أن معناه الأولي هو إدخال الذهب في النار بهدف الإختبار لإظهار الذهب الجيد من الذهب الرديء.
وبصورةٍ عامة يمكن القول بأنّ المعنى هو تعريض الشيء لصعوبات وأذىً بهدف الإختبار. هذا في اللغة، أمّا في المصطلح القرآني فقد استخدمت مفردة (الْفِتْنَةُ) ومشتقاتها في معانٍ متعددة منبثقةٍ من المعنى اللغوي نفسه. والقاسم المشترك بين هذه المعاني هو التعريض للأذى بهدف الإبتلاء والأختبار.
وعندما نلاحظ مستمعينا الأفاضل أنّ استخدام تعبير (الفتن) في مقطع الدعاء المتقدم هو في مقام الشكوى الى الله عزوجل، نتوصَّلُ الى أنّ المقصود من ذلك هو جانب الإيذاء الذي يطال الْمُؤْمِنِينَ في عصر الغيبة من هذه الفتن بمختلف أشكالها العقائدية والأخلاقية والأجتماعية وغيرها.
ولكن من الواضح في الآيات الكريمة، أنّ (الفتن) هي سنة إلهية ثابتة هدفها تمييز الْمُؤْمِنِينَ، الصَّادِقِينَ عن غيرهم وتمحيصالْمُؤْمِنِينَ، فكيف والحال هذه أن نشكوها الى الله عزوجل طلباً لرفعها؟
الإجابة عن هذا السؤال تأتيكم بعد قليل فتابعونا مشكورين.
مما لا شك فيه أنّ معنى الإعتراض على أصل هذه السنة الإلهية غير متصوَّرٍ في هذه الشكوى التي يعلمنا دعاء المعصوم أن نتوجَّهُ بها الى الله عزوجل فنحن لا نعترض قطعاً على الله عزوجل لوقوع الفتن بالْمُؤْمِنِينَ، وعليه ينبثق السؤال التالي: إذن ما هو الهدف من هذه الشكوى، وما الذي نطلبه من الله عزوجل ونحن نتوجَّهُ بها إليه؟
يمكن أعزاءنا المستمعين عرض عدة إجابات عن هذا السؤال، الأولى هي أنّ الهدف من هذه الشكوى هو دفع الآثار السلبية للفتن عن الْمُؤْمِنِينَ، أي تقوية إيمانهم وسلوكياتهم لكي يتمكنوا من حفظ إيمانهم في هذه الفتن وتحويلها الى وسيلة لتطهيرهم وإزالة الشوائب التي لا يرضاها الله عزوجل لهم.
والإجابة الثانية هي أنّ المطلوب في هذه الشكوى تقليل أمد هذه الفتن أو تخفيف حدتها ودفع آذاها عن الْمُؤْمِنِينَ.
أما الإجابة الثالثة فهي أنّ هدف الإمام المهدي (عليه السلام) من تعليم الْمُؤْمِنِينَ أن يشكوا الى الله وقوع الفتن بهم هو توجيههم الى الحذر من السقوط في اختبارات هذه الفتن والإستعانة بالله جلت قدرته للنجاة منها.
أنجانا الله وإياكم مستمعينا الأفاضل من مضلات الفتن ببركة التمسك بولاية محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وها نحن مستمعينا الأكارم نصل بتوفيق الله الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم (ينابيع الرحمة) إستمعتم إليها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في رعايته سالمين.