بسم الله وله الحمد، عظيم الثناء ذي الفضل والأكرام والمن والإحسان، وأزكى صلواته على أمنائه في بلاده المصطفى الأمين وآله الطاهرين.
السلام عليكم أعزاءنا المستمعين، معكم في لقاء آخر مع إضاءات أدعية أهل بيت الرحمة والحكمة والمعارف المحمدية (عليهم السلام)، ووقفة عند مقطعٍ آخر من الدعاء المعرفيِّ الجليل المندوب لتلاوته في عصر الغيبة ولا سيما بعد صلاة العصر من أيام الجمعة.
وقد إنتهينا الى فقرة يدعو فيها المؤمن ربه الكريم بتعجيل ظهور خاتم الأوصياء المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) لكي يظهر به (عليه السلام) الْحَقِّ ويميت به الجور ويستنقذ به عباده وينعش به بلاده الى أن يقول: (اللهم وأبر به الْمُنَافِقِينَ والناكثين وجميع المخالفين والملحدين في مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا وبرّها وبحرها وسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم ديّاراً ولا تبقى لهم آثاراً، وطهر منهم بلادك وإشف منهم صدور عبادك).
في الحلقات السابقة من البرنامج كانت لنا وقفة أيها الأعزاء عند هذه الفقرة وما قبلها من الدعاء إتـَّضح منها أنَّ مولانا إمام العصر المهدي يعلمنا في هذا المقطع من الدعاء أن نطلب من الله عزوجل أن ينهي بوليِّه المهدي (عجل الله فرجه) حاكمية الظلم والجور والشرك والإلحاد والنفاق فيستأصل أعداء الله الذين لا أمل من عودتهم عن الغيِّ والفساد والإفساد في الارض، أما أتباعهم الذين يمكن أن يجتنبوا الضلالة والكفر والظلم إذا فقدوا أئمتهم فندعو لهم الله أن يذللهم عسى أن يستجيبوا لدعوات الهداية والصلاح.
والفقرة التي تلوناها آنفاً تأتي ضمن هذا السياق، وهي تؤكد تحقيق هذا المطلوب وإنهاء حاكمية ووجود أعداء الله عزوجل في جميع أقطار الأرض، مشارقها وَمَغَارِبَهَا وبحرها وبرها وسهلها وجبلها، فما الذي نستفيده من هذا التأكيد؟
في الإجابة عن السؤال المتقدم نقول: إنّ في هذا التعبير تعليماً لنا أن نقوِّي في قلوبنا حب الخير لجميع خلق الله عزوجل حيثما كانوا، فنطلب من الله عزوجل أن ينقذهم جميعاً من جور وظلم وافساد أعدائه عزوجل، حيثما كانوا، إذ أنّ من الواضح أنّ في هذا التعبير إشارة الى طلب إنهاء الظلم و الجور في جميع أقطار الأرض أي إنهاء مصادر الفتنة والظلم للعباد في كل مكان وهذا الأمر يعني في الواقع إنقاذ جميع الخلق من أذى المفسدين والجبابرة، هذا من جهة ومن جهة ثانية ضمان أمن وسلامة الذين أنقذوا من حاكمية المفسدين، لأنّ بقاء المفسدين في أي بقعةٍ من الأرض يعني بقاء خطر استقوائهم ومعاودتهم إيذاء خلق الله في المناطق التي طردوا منها.
أعزاءنا المستمعين، والمعنى المتقدم تنبه له العبارة التالية من الدعاء حيث نطلب من الله عزوجل (أن لا يدع منهم ديّاراً، وأن لا يبقي لهم آثاراً).
و الديّار في اللغة هو من يستطيع التحرك بحرية باتجاه هدفه، وهدف المفسدين والجبابرة هو الإفساد وظلم العباد و الجورعليهم، وبقاؤهم يعني في الواقع السماح لنشاطاتهم الإيذائية بالإستمرار.
أما (الآثار) فمعناها ما يدلُّ عليهم ويعرف بهم، ويبدو أنّ المقصود هنا هو ما يؤدِّي الى إضلال العباد أو إيذائهم معنوياً ومادياً من نتاجات الجبابرة وأئمة الضلال والجهالة، وواضحٌ أنّ بقاء هذا النوع من الآثار يعني مرتبة من إستمرار دورهم في إضلال العباد وصدِّهم عن سبيل الهداية والفلاح.
وعليه يَتـَّضِحُ أنّ هذا الدعاء لا يشمل الآثار الدالة على إنحرافهم وظلمهم وجورهم وسوء عاقبتهم فهذه مما يكون فيها عبرة لأولي الألباب وبالتالي تكون عوناً على اجتناب أفعال الْمُفْسِدِينَ التي أوقعتهم في هذا الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.
أيها الأخوة والأخوات وفي الفقرة اللاحقة من الدعاء نطلب من الله العزيز الرحيم أن يطهِّر بلاده من أعدائه ويشفي منهم صدور عباده عزوجل، فما هي الغاية من هذا الطلب؟
في الواقع يشتمل هذا الطلب وبهذا التعبير بالخصوص على دلالات كثيرة ومهمة، منها تقوية روح البراءة في قلوب الْمُؤْمِنِينَ من أفعال الْمُفْسِدِينَ والجبابرة، بالتنبيه الى كونهم من الرجس الذي يجب تطهير الأرض منهم، وعندما يستقوي الشعور بأنّ الظَّالِمِينَرجسٌ فإنّ القلب ينفر بالطبع من الظلم الذي جعل الظَّالِمِينَ رجساً يجب تطهير الأرض من كل ظلم وجور.
وثمة دلالات أخرى لهذا التعبير نوكل الحديث عنها بمشيئة الله الى الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) الذي إستمعتم له من صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم بألف خير.