بسم الله وله الحمد والثناء الغفور الرحيم، وأزكى صلواته على كنوز رحمته للعالمين محمد وآله الطيبين. السلام عليكم احباءنا المستمعين، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) ووقفة تأملية نستلهم فيها قيم الحياة الكريمة من أدعية أهل بيت آية التطهير (عليهم السلام)، ومنها دعاء المعرفة المأمورين بتلاوته في أيام غيبة مولانا إمام العصر (أرواحنا فداه) وخاصة بعد صلاة العصر من أيام الجمعة. وقد إنتهينا أعزاءنا الى فقرةٍ منه يطلب المؤمن فيها الثبات والإستقامة على الدين الحق وعقائد الإيمان التوحيدي الخالص في الحياة وعند الوفاة، فيدعو المؤمن لنفسه وسائر الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ قائلاً: (اللهم ولا تسلبنا ذلك في حياتنا ولا عند وفاتنا حتى تتوفانا ونحن على ذلك لا شاكين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذبين برحمتك يا أرحم الراحمين).
مستمعي الكريم، إنّ سلوكيات الإنسان وأعماله هي التجسيد العملي لميوله الفطرية أو الغرائزية من جهةٍ وكذلك لعقائده وقناعاته الفكرية من جهةٍ ثانية فالعقائد الصحيحة السليمة هي التي توجِّهُ سلوكيات وعمل الإنسان بالإتجاه الذي يحقق له سعادة الدنيا والآخرة وبدونها يقع الإنسان في متاهات إتلاف طاقاته وما أنعم الله عزوجل به عليه، في اتباع الشهوات وتضييع العمرفي الغفلة عن إعمار الدار الآخرة، بل وخسران الحياة الدنيا أيضاً لأن السعادة الحقيقة - حتى في الدنيا - تكمُنُ في الإستفادة الصحيحة من الطاقات البشرية دون تقنين يؤدِّي الى إلحاق الأضرار الخطيرة ببدن الإنسان فضلاً عن روحه.
وعليه يَتـَّضِحُ أنّ نجاة الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة هو في حفظه للعقائد السليمة والعمل بمقتضياتها، ولذلك يعلمنا إمام زماننا (سلام الله عليه) أن نطلب من الله عزوجل أن يعيننا على الإستذكار الدائم للعقائد الحقة ولا ننساها لكي لا نُحرم من آثارها العملية، وهذا هو معنى طلبنا منه عزوجل أن لا يسلبنا هذه العقائد في حياتنا.
أما معنى طلبنا من الله عزوجل أن لا يسلبنا العقائد الحقة عند وفاتنا فهو -وكما أشرنا في الحلقة السابقة من البرنامج- أن يعيننا على مواجهة الشيطان الذي يسعى لبعث الوساوس في قلب المؤمن عند الإحتضار كما أخبرتنا عن ذلك كثيرٌ من الأحاديث الشريفة، وهدفه إستغلال صعوبات الإحتضار لجعل الإنسان يعترضُ على أمرالله عزوجل وينسى نِعَمَهُ عليه فيخرج من الدنيا جاحداً.
ولأهمية هذا الخطرالذي تحدَّثنا عنه مُفصَّلاً في الحلقة السابقة، فقد علمنا إمام زماننا المهدي (عجل الله فرجه) أن نطلبه من الله عزوجل بألحاح وإستمرارٍ كما ينبهنا لذلك تكرار الطلب بصورةٍ مجملةٍ في العبارة الأولى من الفقرة الدعائية المتقدمة، وبصورةٍ تفصيليةٍ في العبارة الثانية وهي قول الداعي: (حتى تتوفانا ونحن على ذلك لا شاكين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذبين).
وأمامنا هنا أربعة أوصافٍ أو مظاهر لفقدان العقائد الحقة يطلب المؤمن من الله عزوجل أن يبعده عنه وعن إخوانه الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، فما معنى كل من هذه الأوصاف؟
معنى الشك واضحٌ وهو ما يقابل اليقين، فالمطلوب هنا أن نكون على يقين من صحة العقائد الإسلامية عند الوفاة.
أما معنى (النكث) فهو نقض البيعة بعد إبرامها، والمقصود هو أن نطلب من الله عزوجل أن يتوفانا ونحن ملتزمون ببيعتنا لإمام زماننا (عليه السلام) غيرُ ناقضين لها، أو أن نكون ملتزمين بما عاهدنا الله عليه من العمل بما تستلزمه تلك العقائد الحقة.
أما معنى (الإرتياب) فهو قريبٌ من الشك ولكن مع اقترانه بالإضطراب والحيرة، فالمطلوب من الله عزوجل أن يتوفانا ونحن على يقينٍ خالٍ من أي شكلٍ من أشكال الإضطراب الناتج من الشك.
أما معنى (التكذيب) فواضح وهو إطارٌ يجمع المطالب الثلاثة السابقة مع إضافة أن نطلب من الله عزوجل تمام حسن العاقبة بتجديد التصديق بكل العقائد الحقة عند الوفاة بحيث نتطهر من جميع أشكال التكذيب له الظاهر أو الخفيُّ رزقنا الله وإياكم ذلك ببركة الصلاة على محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين إنه سميعٌ مجيب.
وبهذا ينتهى اعزاءنا لقاء اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) إستمعتم له مشكورين من إذاعة صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، طابت أوقاتكم ودمتم بكل خير.