بسم الله وله خالص الحمد مجيب الدعوات ومنزِّل الرحمات، وأزكى الصلوات والتحيات على معادن حكمته وناشري رحمته محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أيها الأعزاء طبتم وطابت أوقاتكم بكل ما تحبون وفوق ما تأملون. معكم في استنارةٍ جديدةٍ بأدعية أهل بيت الرحمة (عليهم السلام) ومنها دعاء المعرفة المندوب - بصورةٍ مؤكدةٍ - إلى تلاوته في عصر غيبة مولانا إمام العصر (عجل الله فرجه) وخاصة في أيام الجمعات. وقد وصلنا إلى فقرة يطلب فيها الداعي له ولجميع المؤمنين الفوز برؤية إمام زمانه (أرواحنا فداه) ثم يقول: (اللهم ... وأبرز يا ربِّ مشاهدته وثبِّت قواعده، واجعلنا ممَّن تقرُّ عينه برؤيته وأقمنا بخدمته وتوفنا على ملته واحشرنا في زمرته، ...).
أيها الإخوة والأخوات، الأمر الأول الذي يطلبه الداعي من ربه الكريم جل جلاله هو أن يبرز مشاهدة إمام العصر (عجل الله فرجه)، فما المراد بذلك؟
الإبراز هو بمعنى الإظهار الواضح البيِّن ومعنى المشاهدة واضح، فيكون المراد في هذه العبارة هو أن يتفضل الله عزوجل على المؤمنين بمشاهدة إمام زمانهم (عجل الله فرجه) بصورةٍ واضحةٍ جليةٍ تنفي جميع الشكوك والشبهات والوساوس بشأن وجوده.
وهذا الطلب يرتبط بأيام غيبته (سلام الله عليه) إذ لا حاجة له في عصر ظهوره فضلاً عن أن سياق هذا المقطع هو عن طلب الثبات على التمسك بولايته (عليه السلام) في عصر غيبته. وعليه يكون الطلب من الله عزَّوجل أن يتفضل برؤية إمام الزمان في عصر غيبته (عجل الله فرجه) هو من مصاديق الإستعانة به عزوجل للثبات على الدين الحق ومواجهة صعوبات التمسك بولاية الإمام الغائب.
وفي العبارة التالية يطلب المؤمن من الله المعين أن يُثبِّت قواعد إمام العصر (أرواحنا فداه)، والمراد من ذلك حفظ ركائز حركته وقيامه بمهامِّ الإمامة في عصر غيبته.
ومن هذه الركائز المؤمنون الصادقون الذين يساندون حركته (عليه السلام) وفي صدارتهم المشار إليهم في الأحاديث الشريفة بوصف (الأبدال) أو الثلاثين مؤمنا الذين لا وحشة على الإمام في غيبته مع وجودهم معه كما صَرَّحت بذلك الأحاديث الشريفة.
وهؤلاء هم قواعده (عليه السلام) الذين يتحركون بأمره مباشرة يضاف إليهم سائر المؤمنين الذين وفقهم الله عزوجل للتحرك في غاتجاه ما يريده منهم إمام زمانهم وبما يخدم أهدافه الإلهية (عليه السلام). ونجد في العبارات اللاحقة من هذه الفقرة أن الداعي يطلب فيها أن يصبح من قواعد الإمام المباركة هذه من خلال التحلي بصفاتهم المذكورة فيها.
مستمعينا الافاضل، وأولى صفات: قواعد الإمام المهدي وأنصاره (أرواحنا فداه) الذين يطلب الداعي تثبيتهم في العبارة السابقة أولاً ثم يطلب هنا أن يكون منهم، هي كونهم (ممَّن تقرُّ عينه برؤيته) (عليه السلام).
وتعبير (تقرُّ العين بشيءٍ ما) هو تعبيرٌ مجازيٌ يراد به الإبتهاج به وزوال الحيرة والترقب ببركة رؤيته.
وعليه يكون المعنى أنّ الداعي يطلب من الله جلَّت نعماؤُهُ في هذه العبارة أن يريه إمام زمانه بالرؤية البصرية المباشرة أو الرؤية البصائرية القلبية بحيث يحصل على معرفة يقينية به (سلام الله عليه) تبهج قلبه وتزيل عنه كل حيرةٍ أو شكٍ، وعليه يَتـَّضِحُ أنّ الصفة الأولى لأنصار الإمام الحقيقيين وقواعده الثابتة هي قوة اعتقادهم اليقيني به (عليه السلام) في غيبته حيث آمنوا به وهو غائب كإيمانهم به وهو حاضر أي أنّ الغيب صار عندهم كالعيان المشهود ببركة صدق الإيمان فقرَّت عيونهم بمعرفة إمام زمانهم (أرواحنا فداه).
أيها الأخوة والأخوات، أما الصفة الثانية: للقواعد المهدوية الصادقة فهي التي يطلبها الداعي في العبارة اللاحقة حيث يقول:(وأقمنا بخدمته) ولا يخفى عليكم أن خدمة الإمام المهدي (عليه السلام) تعني خدمة أهدافه والسعي باتجاه ما يريده للأمة من إصلاحٍ وصلاحٍ، وعليه يكون المعنى أنّ المؤمن يطلب من الله عزوجل توفيق تجنيد نفسه وطاقاته في السعي الجادِّ (وهو المشار إليه بتعبير الإقامة) فيما يخدم الأهداف الإلهية التي يتحرك الإمام لتحقيقها سواءٌ في غيبته أو ظهوره (عجل الله فرجه).
وبعد ذلك يطلب الداعي من الله عزَّوجل توفيق التحلِّي بالصفة الثالثة للقواعد المهدوية الصالحة وهي صفة الإستقامة على الولاء والخدمة إلى النهاية وهذا هو مضمون طلب المؤمن حسن العاقبة في قوله: (وتوفنا على ملته) أي على الإلتزام والعمل بنهجه (صلوات الله عليه).
وأخيراً يطلب الداعي أن يحشره الله وجميع المؤمين في زمرة إمام زماننا للمهدي (أرواحنا فداه)، والمراد هو معيته (سلام الله عليه) في الدنيا بأن نكون دائماً في جبهة أنصاره وأعوانه، وفي الآخرة بأن نكون معهم يوم يدعى كلُّ أناس بإمامهم.
وبهذا تنتهي أحباءنا حلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) استمعتم لها مشكورين من طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران. تقبل الله أعمالكم وفي أمان الله.