السلام عليكم إخوتنا طابت أوقاتكم بكل ما يرضاه الله وأهلاً بكم في لقاء اليوم من برنامجكم هذا ونحن نسعى فيه للإستنارة بأدعية أهل بيت النبوة (عليهم السلام) ومنها دعاء الغيبة أو دعاء المعرفة الذي أمر إمام العصر الحجة المهدي (عجل الله فرجه) المؤمنين بتلاوته - وبتأكيدٍ مشدَّدٍ - في عصر الغيبة.
وقد ذكرنا في الحلقة السابقة أعزائنا ملاحظات عامة بشأن أولى فقرات هذا الدعاء المبارك تبيِّنُ أهميته وافتتاحه بالإشارة إلى البناء العقائدي الكامل الذي ينقذ من ميتة الجاهلية ومن الضلالة.
ونستنير الآن بالعبارة الأولى من هذه الفقرة، وهي أن يقول الداعي: (اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرفك ولم أعرف رسولك، ...).
كما تلاحظون مستمعينا الافاضل، فإنّ العبارة المتقدمة صريحة في أنّ من غير الممكن معرفة الله إلا بتعريف منه عزوجل، كما أنّ بدون هذا التعريف الإلهي لا يمكن أيضاً معرفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فما هو المستفاد من ذلك؟
أيها الإخوة والأخوات، انّ الله تبارك وتعالى قد عرَّف نفسه للعالمين بما ذكره من أوصافه الكريمة في كتابه المجيد وبما أجراه على لسان عباده المخلصين محمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).
وقد أمرت النصوص الشريفة الناس بالحصول على معرفة الله من هذه الينابيع النقية ومحاكمة كل معرفة له عزوجل أو كلِّ صفة تنسب إليه على ما تذكره الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة؛ وقبول ما تؤيده وينسجم معها وَرَدِّ ما يتعارض معها. إذن فهذا هو طريق شرعي لمعرفة الله عزوجل مصدره هو الله جل جلاله فما معنى إذن أن يأمرنا إمام العصر الحجة المهدي (أرواحنا فداه) بأن نطلب من الله عزوجل أن يعرفنا نفسه مباشرة؟ وهل ما نطلبه هنا هو طريق آخر لمعرفة الله عزوجل غير ما تحدِّثنا الآيات الكريمة واالأحاديث الشريفة؟
في الإجابة عن السؤالين المتقدمين، نقول أولاً إنّ طلب معرفة الله منه عزوجل مباشرة يمكن أن يكون المراد منه طلب العون للحصول على معرفته الصحيحة وذلك بتوفيق المؤمن للفهم الصحيح لما ذكرته الايات الكريمة والأحاديث الشريفة من أوصافه عزوجل.
أي لا يقع في التحريفات المعنوية التي أحدثها المبدعون في تفسير الآيات الكريمة الواردة في أبواب معرفة الله عزوجل.
وعليه يكون المعنى هو أن يطلب المؤمن من الله عزوجل أن يحصنه من التفسير بالرأي والأهواء لهذه الآيات الكريمة، إذ أنّ ذلك لا يقود الإنسان إلى المعرفة الصحيحة بالله عزوجل بل إنّ ما يحصل عليه هو معرفة بإلهٍ موهومٍ صنعته أهواؤُه، فتكون بالتالي عبادته له هي عبادة لهواه وللنفس وليس عبادة حقيقية لله عزوجل.
كما يمكن مستمعينا الأفاضل أن يكون مراد الداعي وهو يطلب من الله عزوجل أن يعرفه نفسه هو أن يرزقه التعمق في فهم الآيات الكريمة التي عرَّف الله بها نفسه لعباده.
فهذا التعمق يؤهِّله إلى الفوز بمراتب أعمق من المعرفة الإلهية، والحصول على المعارف المكنونة في القرآن الكريم حسب التعبير القرآني نفسه وقد تظافرت كثير من أحاديث أهل بيت النبوة (عليهم السلام) في التأكيد على أن للقرآن ظاهراً وباطناً وأن لباطنه سبع مراتب.
أما المعنى الثالث لأن يطلب المؤمن من الله عزوجل أن يعرفه نفسه مباشرة فهو الفوز بالمعرفة الإلهامية القلبية، وقد ورد عن إمامنا الصادق (عليه السلام) أنّ العلم نورٌ يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده، وهذه هي من مراتب معرفة الله عزوجل، فهي تتميز بميزات عدّةٍ منها أنّ الله عزوجل يقذف في قلب المؤمن الصادق بما يناسبه من حقائق معرفته وبما يحتاجه في حياته العملية وبما يعينه على التقرب إليه والإنتقال من مرتبته الإيمانية التي يعيشها إلى مرتبة أعلى في درجات الكمال.
وأخيراً نشير مستمعينا الأفاضل إلى معنى رابع يمكن للداعي أن يقصده وهو يدعو الله أن يعرِّفه نفسه، وهو أن يعرِّفه بمظاهر حضوره عزوجل في جميع شؤون الحياة حتى يبلغ بإيمانه إلى مرتبة اليقين الذي لا شك معه، وهذا هو المعنى المشار إليه في قوله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ»، رزقنا الله وإياكم أيها الأعزاء معرفة ما يزيد في قلوبنا محبته ويُزِّودُنا بوقود الإقبال على طاعته إنه سميعٌ مجيب، وإلى لقاء آخر من برنامج ينابيع الرحمة نستودعكم الله ودمتم أعزاءنا مستمعي صوت الجمهورية الإسلامية في إيران بكل خير.