السلام عليكم اخوة الإيمان ورحمة الله، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اخرى من هذا البرنامج نستنير فيها بالمقطع الأخير من الدعاء الجليل الذي امرنا مولانا الإمام الحجة المهدي (أرواحنا فداه) بتلاوته بعد الزيارة المروية عنه التي يزار بها جده الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، وفي هذا المقطع الخاتم يقول الداعي: (اللهم صلّ على محمد وآل محمد، واغفرلنا ولوالدينا، ولجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ والْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأحياء منهم والأموات وآتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، ...).
كما لاحظتم فالمقطع الختامي لهذا الدعاء يشتمل على طلبات متداولة على السنة المؤمنين ورائجة في نصوص ادعية اهل بيت النبوة (عليهم السلام) انها طلبات تعبر عن روح حب الخير للآخرين وهي الروح التي تمثل اهم معالم الشخصية الإيمانية التي يحبها الله عزوجل، ومما لاشك فيه ان الدعاء للآخرين من المصاديق الواضحة لطلب الخير لخلق الله ونفعهم ولذلك ورد التأكيد عليه كثيراً في احاديث اهل بيت النبوة وأدعيتهم صلوات الله عليهم اجمعين.
يبدأ الداعي بالصلاة على محمد وآله فهي الجناح الذي يعرج بدعاء الداعي الى العلى ويضمن قبول الله عزوجل كما صرحت بذلك الأحاديث الشريفة. وبعدها يطلب الداعي المغفرة قائلاً: (واغفر لنا ولوالدينا) واستخدامه صيغة الجمع (لنا) يشير الى اشراكه في هذا الدعاء من يرى نفسه جزءً من كيانهم من جماعة من يعرف من المؤمنين او الأقارب او من يحرص على الدعاء لهم؛ فيكون الدعاء لهم شاملاً لكل ما يدعو به لنفسه.
ويلاحظ في هذا النص ان الإمام المهدي (عليه السلام) يعلمنا انه ينبغي ان نقدم في دعاءنا الوالدين اولاً ثم المؤمنين والمؤمنات خصوصاً ثم المسلمين والمسلمات عموماً وبصورة تشمل الأحياء منهم والأموات وهذا من المصاديق لقوة روح طلب الخير في قلب المؤمن للجميع حيث يُوسِّع دائرة من يدعولهم لتبلغ جميع هذه الطوائف.
فالمؤمن مأمور بأن يسعى لأن يتخلق بأخلاق الله عزوجل، ومن اوضح اخلاقه تبارك وتعالى شمولية خيره للجميع، وهذا ما يسعى المؤمن للتحلي به من خلال طلبه الخير للجميع وبأوسع الدوائر رجالاً ونساءً وأحياءً وأمواتاً.
أما ترتيب الدوائر المذكورة بالنحو المتقدم اي بتقديم الوالدين على المؤمنين وتقديم المومنين على سائر المسلمين: فهو الشائع في ادعية اهل البيت (عليهم السلام) وهو يشير الى ان كل فئة اولى وأحق بالدعاء من التي تليها.
ويختم الداعي هذا المقطع بالدعاء القرآني الشهير: «آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
وفي الواقع فإن هذا الدعاء هو طلب السعادة في الدنيا والآخرة بأن تكون طبيعة العيش في كل منها بما يناسبها اي تكون عيشة حسنة تناسب الدنيا وأخرى تناسب الأخرى.
وقد جاء في تتمة رواية هذا الدعاء الشريف قول امام العصر (رواحنا فداه) مخاطباً الزائر الداعي: ثم تركع وتسجد وتجلس وتتشهد وتسلم فإذا سبحت فعفر خدك وقل: (سُبْحَانَ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ ولا الَهَ الاَّ اللَّهُ والله اكبر اربعين مرة، وأسأل الله العصمة والنجاة والمغفرة والتوفيق بحسن العمل والقبول لما تتقرب به اليه وتبتغي به وجهه عزوجل، وقف عند الرأس ثم صل ركعتين على ما تقدم، ثم انكب على القبر وقبله وقل: زاد الله في شرفكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأدع لنفسك ولوالديك ولمن اردت، ...).
وكما تلاحظون فإن هذه الفقرة اشتملت على عدّة من اداب الزيارة والدعاء والعبودية من تشديد الخضوع لله عزوجل وتكرار الأذكار ترسيخاً لها بالقلب والتأكيد على طلب العصمة والتوفيق الإلهي لسلوك الطريق الذي يقرب المؤمن الى الله عزوجل ويرزقه رضاه. رزقنا الله وإياكم ذلك ببركة موالاة محمد وآله الطاهرين، اللهم امين. شكراً لكم ايها الأعزاء على طيب المتابعة لهذه الحلقة من برنامج (ينابيع الرحمة) الى لقاء مقبل بتوفيق الله نستودعكم الله بكل خير والسلام عليكم.