السلام عليكم ايها الأخوة والأخوات ورحمة الله، طابت اوقاتكم بكل ما تحبون، وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج الذي نستنير فيه بأنوار ادعية معلمي التوحيد الخالص والحياة الكريمة محمد واله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.
ولنا معكم ايها الأعزاء في هذا اللقاء وقفة عند فقرة اخرى من الدعاء الذي امرنا امام العصر المهدي المنتظر (أرواحنا فداه) بتلاوته بعد نص الزيارة المروي عنه التي يزار بها جده سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء.
في هذا الفقرة يعلمنا الإمام المهدي (عليه السلام) ان نطلب من الله عزوجل الرزق المناسب لطموحات المؤمن، فنقول: (اللهم، ونسألك ... ادرار الرزق الذي به قوام حياتنا وصلاح احوال عيالنا، فأنت الكريم الذي تعطي من سعة وتمنع من قدرة، ونحن نسألك من الرزق ما يكون صلاحاً للدنيا وبلاغاً للآخرة، ...).
نذكركم اولاً بأن الطلب المتقدم جاء بعد مقدمة توسل فيها الداعي الى الله بوليد الصديق الإمام سيد الشهداء (عليه السلام) وسأله بالحق الذي جعله الله له ولجده المصطفى ووالديه علي وفاطمة (صلوات الله عليهم اجمعين)، فما الذي يدل عليه ذلك؟
لا يخفى عليكم ان مثل هذا التوسل المغلظ انما يلجأ اليه الداعي لضمان استجابة الطلبات المهمة، اذن فهو يدل على اهمية الطلب الذي تتضمنه الفقرة التالية لهذا التوسل. فما هو هذا الطلب المهم؟
هذا الطلب هو (إدرار الرزق)، اي ان الداعي يطلب من ربه الرزاق ذي الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ان يغدق عليه رزقه المستمر. ولكن المطلوب هنا ليس مطلق الرزق دون تحديد او تقييد، بل انّ امام زماننا المهدي (أرواحنا فداه) يعلمنا في هذا الدعاء ان نطلب من الله عزوجل نوعاً معيناً من الرزق تتوفر فيه صفات محددة لكي يكون فيه صلاح دنيانا وخير اخرتنا، فما هي هذه الصفات؟
في الإجابة عن السؤال المتقدم نرجع الى نص الدعاء، فنجده يصف هذا الرزق المطلوب بالصفات التالية:
اولاً: ان يكون به قوام حياتنا، اي ان يكون رزقاً تستمر به حياتنا في الدار الدنيا سوية، فلا يؤدي الى ان نطغى فتمت قلوبنا فنفقد الحياة الروحية الحقيقية فنصير امواتاً بصورة احياء، وكذلك ان لا يؤدي الى ضعف ابداننا الى الدرجة التي لا نقوى فيها على اداء واجباتنا والسعي في الأرض بما يقربنا اليه عزوجل، هذه هي الصفة الأولى للرزق المطلوب.
أما الصفة الثانية له والتي يذكرها نص الدعاء المهدوي فهي: ان يكون فيه (صلاح عيالنا)، اي ان لا يكون صالحاً لنا وحسب بل لعوائلنا ايضاً، فقد يطيق احدنا تحمل قلة الرزق ويكون صلاحه في ذلك، ولكن عائلته لا تطيقه سبباً للإضرار بها بما ينافي صلاح امورها.
ولذلك يطلب الداعي من الرزق الإلهي ما يكون فيه صلاحه هو وصلاح عائلته ايضاً ويجعلهم جميعاً سائرين باتجاه ما يرضي الله عزوجل.
وعندما نتدبر في استخدام نص الدعاء لأوصاف (قوام الحياة) الحقيقية وصلاح العيال، نلتفت الى قضية مهمة تكثر الغفلة عنها وهي ان الرزق المطلوب الذي ينبغي للمؤمن ان يطلبه من الله عزوجل هو ما يحقق هذه الأمور فيكون به استمرار حياة القلوب والأبدان وصلاح شؤون الإنسان المادية والمعنوية.
وتحقق ذلك يحتاج الى ارزاق معنوية ومادية، لذلك فما نطلبه من الله عزوجل في ادعيتنا ينبغي ان يكون الرزق بجميع اقسامه المادية والمعنوية وبالمقدار والكيفية اللازمين لإستمرار حياتنا القلبية والبدنية وصلاح امورنا المادية والمعنوية.
والله عزوجل قادر على ذلك، فهو - كما ورد في تتمة الدعاء: (الكريم الذي تعطي من سعة وتمنع من قدرة، ...).
أي انه عزوجل كريم لا يبخل، وواسع الفيض، فهو قادر على ان يهبنا كل ما فيه صلاحنا وقوام حياتنا من انواع الرزق المادية والعنوية، كما انه جلت قدرته (يمنع من قدرة) اي انه قادر على ان يمنع عنها كل رزق قد يؤدي بنا الى الطغيان وقسوة القلوب ونظائر ذلك مما يضرنا.
ويختم الداعي دعاءه في هذه الفقرة مؤكداً طلبه بأن يتفضل عليه برزق يكون فيه صلاح حياته الدنيوية اي ان يعيش فيها على وفق ما اراده الله وارتضاه لعباده، وأن يبلغه المقامات المحمودة في الآخرة، اي ان يعينه على ان يجعل الدنيا مزرعة للآخرة، فيقول الداعي في ختام الفقرة ونحن نسألك من الرزق ما يكون صلاحاً للدنيا وبلاغاً للآخرة.
رزقنا الله وإياكم هذا الرزق الكريم ببركة محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين.
شكراً لكم على طيب المتابعة لهذه الحلقة من برنامج (ينابيع الرحمة) ودمتم في رعاية الله.