السلام عليكم ايها الأحباء ورحمة الله وبركاته، معكم في وقفة تأملية اخرى مع الدعاء الجليل المروي عن مولانا امام العصر (عجل الله فرجه) والذي امرنا بتلاوته بعد النص الشريف المروي عنه لزيارة جده الحسين سيد الشهداء (عليه السلام) في يوم عاشوراء، والفقرة التي وصلنا اليها هي قول الزائر الداعي: (اللهم، وأنت اعلم بما اعلنا وأخفينا، وأخبر بما نأتي وما اتينا، فصل على محمد وآل محمد ولا تؤاخذنا بما اخطأنا ونسينا،...).
قد كانت لنا وقفة تأملية عند الشطر الأول من هذه الفقرة النورانية في الحلقة السابقة خلصنا الى نتيجة محورية مفادها هو ان الإمام المهدي (عليه السلام) يعلمنا ان نستذكر دائماً كوننا في محضر الرب الجليل العالم بكل نوايانا ما اعلنا منها وما اخفينا والخبير بكل افعالنا ما تقدم منها وما تأخر، فلا ينبغي لنا ان نرتكب في محضره وفي مرأى منه ما يكره من الذنوب والمعاصي اما حياء منه او اجتنابا لسخطه جل جلاله.
يضاف الى ذلك اعزائنا المستمعين ان استشعارنا لكوننا في محضر الرب الجليل والعالم الخبير ينبغي ان يدفعنا الى طلب مغفرته وعفوه عما هو اعلم به وأخبر من ذنوبنا القلبية والجوارحية. وهذا ما يعلمنا الإمام المهدي (عليه السلام) في العبارة التالية فندعو الغفور الرحيم قائلين: (فصل على محمد وآل محمد ولا تؤاخذنا بما اخطأنا ونسينا).
تعلمون ان كثيراً من الأحاديث الشريفة اكدت على المومنين ان يبدأوا كل دعاء بالصلاة على محمد وآله ويختموه بالصلاة عليهم صلوات الله عليهم اجمعين. وعللت ذلك بأن الله عزوجل اكرم من ان يستجيب طرفي الدعاء - اي الصلاة على محمد وآله -، ولا يستجيب وسطه - اي مطلب الداعي -.
يضاف الى ذلك ان التوجه الى محمد وآله بروح المودة وطلب الصلاة عليهم (صلوات الله عليهم) من شأنه ان يرقق قلب الداعي وينوره فيتأهل بذلك قلبه لتلقي الفيض الإلهي واستجابة ما يطلبه من الله عزوجل.
وعليه فإن طلب الصلاة على محمد وآله قبل ان يعرض الداعي حاجته على ربه الجليل هو نوع من الإستشفاع بهم (عليهم الصلاة والسلام) والتوسل بهم الى الله عزوجل لكي يستجيب لما يطلبه منه.
وقد ذكر بعض اهل المعرفة ان من الآثار المهمة للصلاة على محمد وآله هي انها تزيد مودة الداعي ومعرفته بهم صلوات الله عليهم اجمعين، وتقوي روح التأسي بهم في علاقتهم بالله جل جلاله وبخلقه وعباده، وفي ذلك اعظم الخيرات والبركات.
وبعد ان يطلب الداعي من الله عزوجل ان يصلي على محمد وآله عليهم السلام، يطلب اربعة طلبات محورية اولها هي: (ولا تؤاخذنا بما اخطأنا ونسينا).
وهنا نثير ثلاثة اسئلة فيما يرتبط بهذه العبارة:
السؤال الأول هو: ما معنى عدم المؤاخذة على الخطأ والنسيان؟
والسؤال الثاني هو: ما معنى طلب عدم المؤاخذة على الخطأ والنسيان، وهو عذر شرعي لا يؤاخذ عليه الإنسان كما ورد في الحديث النبوي المشهور المعروف بحديث الرفع، حيث ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله): أن الله رفع عن امته اموراً منها الخطأ والنسيان، ومعنى الرفع هنا هو عدم المحاسبة.
أما السؤال الثالث فهو: لماذا استخدم الدعاء صيغة المتكلم بالجمع مع ان الزائر والداعي مفرد؟
أما بالنسبة للسؤال فنقول: إن عدم المؤاخذة في المصطلح الشرعي وكما هو واضح من استخداماتها في القرآن والسنة، تعني عدم المعاقبة، فالداعي يطلب هنا المغفرة ومحو العقاب الأخروي والآثار التكوينية لما ارتكبه مما لا يرضاه الله عزوجل خطأ او نسيانا.
ومعنى الخطأ هنا هو عدم تعمد المعصية بل يصدق حتى على من طلب الحق فوقع في الباطل خطأ: اما معنى النسيان فواضح.
وعليه، فأن ما يطلبه الداعي هنا هو رفع الآثار التكوينية لما وقع فيه مما لا يرضاه الله عزوجل دون قصد او نسيانا وغفلة عن كونها اعمالاً لا يرضاها الله جل جلاله. اذ لا يخفى ان للمعاصي اثاراً تكوينية حاصلة من اصل القيام بها سواء كان العامل معذوراً جاهلاً بالحكم او غير معذور. فمثلاً لشرب الخمر- والعياذ بالله - اضرارٌ تحصل في بدن وروح الأنسان حتى لو كان جاهلاً بحرمتها ومكرها عليها مثلاً.
وبهذا تتضح الإجابة عن السؤال الثاني: وهو ان ما يطلبه الداعي هنا هو التطهر من الآثار التكوينية للأعمال التي لا يرضاها الله عزوجل حتى لو كان معذوراً في القيام بها لخطأ او نسيان.
أما بالنسبة للسؤال الثالث فنقول: ان الأحاديث الشريفة اكدت ان من اداب الدعاء هو اشراك المؤمن للآخرين في دعائه وهذا امر يعزز روح حب الخير للجميع وهو من ركائز صفات اهل الإيمان جعلنا الله وإياكم منهم.
والى هنا ينتهي اعزائنا لقاء اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، شكراً ودمتم في رعاية الله.