البث المباشر

شرح فقرة: "وانت اعلم بما اعلنا وأخفينا، ..."

الإثنين 29 يوليو 2019 - 11:42 بتوقيت طهران

السلام عليكم اخوة الإيمان والولاء ورحمة الله، اهلاً بكم في لقاءٍ اخرمن هذا البرنامج نتابع فيه استلهام اداب الإرتباط بالله عزوجل من خلال التدبرفي ادعية معلمي الحكمة الإلهية ومهذبي النفوس ومطهري القلوب محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين ولازلنا مع الدعاء الذي امرنا بتلاوته مولانا صاحب الزمان (عجل الله فرجه) بعد الزيارة المروية عنه التي يزاربها مولانا الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء، وقد انتهينا الى الفقرة التالية التي يخاطب فيها زائر الحسين ربه الجليل قائلاً: (اللهم، وأنت اعلم بما اعلنا وأخفينا وأخبر بما نأتي وما اتينا، فصل على محمد وآل محمد ولا تؤاخذنا بما اخطأنا ونسينا).
تأتي الفقرة المتقدمة في سياق مقطع من الدعاء المشار اليه يعلمنا فيه مولانا الإمام المهدي (عجل الله فرجه) افضل السبل لطلب المغفرة من الله عزوجل ويؤهِّلنا للإستعداد اللازم للحصول عليها والإنتفاع منها.
وفي هذه الفقرة اثارة لأحد العوامل الفطرية التي تحمي الإنسان من اخطارالتهاون بأمرالمعاصي والخطايا، فهي تشتمل على الإقرار بالعلم الإلهي الشامل الذي يحيط بكل ما يفعله الإنسان بل وبما يوسوس به صدره وما يخطر على باله.
وإستذكار حقيقة ان الله يعلم كل ما يخفيه الإنسان وما يعلنه ولا ينسى شيئاً مما يفعله او فعله، استذكار ذلك من شأنه ان يبعث في الإنسان الخشية الفطرية من عقاب الله عزوجل على ما جناه في ارتكاب المعاصي، وهذه الخشية تدفع الإنسان الى التوبة وطلب المغفرة من الله عما ارتكبه وكذلك تقوي في وجوده روح الورع وإجتناب المعاصي خشية من عقاب الله عزوجل الذي لا تخفى عليه خافية. وذلك لأن الإنسان بفطرته محب للخير ساعٍ في جلبه لنفسه كاره مجتهد لدفعه عن نفسه.
وفي مرتبة اسمى وأكرم للإنسان، فإن استذكار حقيقة العلم الإلهي بكل ما اعلنه وما اخفاه وبكل ما فعله وما يفعله، يثيرفي قلبه فطرة الحياء من الله عزوجل المطلع بدقةٍ على جميع افعاله ونواياه.
هذا الحياء الفطري من شأنه ان يدفع الإنسان الى الإعتذارمن ربه العالم بخفاياه على ما ارتكبه من خطايا فيتوب منها ويطلب المغفرة، كما انه من شأنه ان يقوي في المؤمن روح الورع عن المعاصي وإجتنابها حياءً من الله الذي لا تخفى عليه خافيه.
ولعلكم تتذكرون ما روي ان احد المسلمين جاء للإمام الحسين (عليه السلام) شاكياً له من كونه لا يقدرعلى ترك المعاصي، فهداه الإمام (عليه السلام) الى سبيل الخلاص من خلال اثارة هذا الحياء الفطري، اذ امره بما مؤدّاه ان يطلب مكاناً لا يراه الله فيه ويرتكب فيه ما شاء من المعاصي، وعندما تفكر الرجل في ذلك ادرك استحالة ذلك اذ لا يوجد مكانٌ لا يشمله العلم الإلهي، فلا يمكنه الإختفاء عن عين الله الناظرة، وبأستذكار ذلك قويت روح الورع في قلب هذا العاصي وإستطاع التغلب على وساوس ارتكاب الخطايا ببركة هذه الموعظة الحسينية البالغة.
ونلاحظ في فقرة هذا اللقاء ان الداعي يستذكر ويقرُّ في محضر الله عزوجل بالإطلاع الإلهي على احواله بعبارتين:
الأولى: وأنت اعلم بما اعلنا وأخفينا.
والثانية هي: وأخبر بما نأتي وما اتينا، فما الفرق بينهما في الدلالة؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال نشير: اولاً الى ان في كلا العبارتين تأكيداً على اصابة الإطلاع الإلهي لحقيقة الإمركما هو واضح من استخدام مفردتي التفضيل (أعلم) و(أخبر) أي ان معرفته عزوجل بما نعلن ونخفي وما فعلنا وما نفعل معرفة كاملة لا يمكن ان يتطرق اليها الخطأ والإشتباه.
أما الفرق بين دلالتي كل منهما ، فهي - كما يبدو - ان في الأول اشارة الى علم الله عزوجل بجميع شؤوننا بما هو اعم من الأفعال، اي انه جل جلاله يعلم حتى بنوايا الخير و الشر وبالأفعال القلبية والذنوب القلبية كسوء الظن بالله واليأس من رحمته.
أما العبارة الثانية فهي تشير الى انه اخبر بحقيقة عمل الجوارح فمثلاً قد يخفى على غيره حقيقة النظرة وهل هي شهووية محرمة ام عادية بريئة اما على الله عزوجل فلا تخفى عليه حقيقتها: فهو الأخبر بحقيقة فعالنا جميعاً.
وتكون النتيجة هي ان هذه الفقرة من الدعاء المهدوي تربي المؤمن على الإستشعار الوجداني الدائم لكونه في محضر الرب الجليل العالم بكل نواياه والخبيربحقيقة جميع فعاله، فلا ينبغي له ان يرتكب في محضره ما يكره من الذنوب والمعاصي اما حياءً منه او اجتناباً لسخطه جل جلاله.
وختاماً نسأل الله عزوجل لنا ولكم المزيد من الورع عن محارم الله عزوجل
إبتغاءً لمرضاته، شكراً لكم على جميل المتابعة لهذه الحلقة من برنامج (ينابيع الرحمة)، والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة