بسم الله وله الحمد مجيب الدعوات وغافر الخطيئآت وأزكى صلواته الناميات وتحياته المترادفات على معادن رحمته محمد وآله الهداة.
السلام عليكم أيها الأعزاء تحية طيبة نستهل بها هذا اللقاء ونحن نتابع فيه معاً إستلهام القيم الموصلة الى سعادة الدنيا والآخرة من خلال التدبر في دعاء مولانا إمام العصر (أرواحنا فداه) الذي أمر المؤمنين بتلاوته بعد زيارة جده سيد الشهداء (عليه السلام) يوم عاشوراء وقد إنتهينا الى قوله (عليه السلام): (اللهم إن كنت تعلم أن في عبادك من هو أقسى قلباً مني وأعظم مني ذنباً فإني أعلم أنه لا مولى أعظم منك طولاً وأوسع رحمة وعفواً، فيا من هو أوحدُ في رحمته إغفر لمن ليس بأوحد في خطيئته، ...). وقد تحدثنا في حلقةٍ سابقة عن معنى العبد لله عزوجل بأطاعة ما أمرنا به من أن ندعوه بأوليائه المقربين (عليهم السلام) وهم أسمى مصاديق أسمائه الحسنى ونتطرق في هذا اللقاء الى طلب المغفرة الإلهية الوارد في هذه الفقرة، فنثير أولاً سؤالاً عن ماهية الأسلوب الذي يعلمنا الإمام المهدي (عليه السلام) أن نطلب من الله المغفرة به، فما هذا الأسلوب؟
قبل الإجابة عن السؤال المتقدم، من الضروري الإشارة الى حقيقة مهمة هي أن واحدة من أهم بركات أدعية أهل بيت النبوة (عليهم السلام) تعريفنا بالطلبات التي ينبغي أن نحرص على طلبها من الله عزوجل لأن فيها صلاحنا وفلاحنا وفوزنا في الدنيا والآخرة.
فالإنسان قد يتوجه الى الله عزوجل بالدعاء ويطلب منه ما يرى أنه محتاج إليه، ولكن من الطبيعي أنه لا يحيط علماً بكل ما يحتاجه مما فيه صلاحه وفوزه وإعانته على تلبية احتياجاته الواقعية. وهذا النقص تسُدُّهُ لنا الأدعية المأثورة عن أهل بيت النبوة (عليهم السلام) فهي بمثابة الوصفات العلاجية التي يقدمها أطباء القلوب والأرواح العارفون بخفايا الإنسان واحتياجاته الحقيقية وكل ما يصلحه ويحقق له السعادة في الدارين.
هذا أولاً وثانياً فإنّ أئمة الهدى المحمدي (عليهم السلام) يعلموننا أيضاً بأفضل الأساليب التي تؤدي الى الإستعداد للفوز بتحقق الحاجات التي نطلبها من الله. إذ أن المشكلة في عدم استجابة أدعيتنا لا تكمن في العطاء الإلهي فهو عطاء غير محدود، بل المشكلة تكمن - في أحد مكامنها - في عدم استعدادنا نحن لتلقي العطاء الإلهي، وهذه المشكلة التي تعالجها أدعية أهل البيت (عليهم السلام)، بتعليمنا أساليب طلب ما نحتاجه من الله جل جلاله.
بعد اتضاح الحقيقة المتقدمة نعود الى فقرة هذا اللقاء فنطبقها عليها قائلين: إن الداعي يطلب من الله عزوجل هنا أن يغفر له خطيئته من خلال الإقرار بعدَّة حقائق يشكل ترسيخها في قلب الداعي، عوامل لجعله مستعداً للفوز بالمغفرة الإلهية:
الحقيقة الأولى: هي التي يتضمنها قول الداعي: (اللهم إن كنت تعلم أن في عبادك من هو أقسى قلباً مني) وتوضيحها هو أن قسوة القلب خطيئة كبرى تعمي القلب وتجعله غير مستعدٍ للفور بالمغفرة الإلهية التي تعني تطهير القلوب من آثار الذنوب. إذن فينبغي للداعي أن يسعي لإزالة القسوة من قلبه والطلب من الله عزوجل أن يعينه على ذلك للفوز بمغفرته. والأمر نفسه يصدق على عظمة الذنوب، فالتورُّع عنها والتوبة منها مقدمة للفوز بالمغفرة الإلهية التي تطهر الإنسان من الذنوب الأخرى.
أما الحقيقة الثانية: فهي التي يشير إليها قول الداعي: (فإني أعلم أنه لا مولى أعظم منك طولاً وأوسع رحمة وعفواً) وبيان هذه الحقيقة هو أن إقرار الإنسان بسعة الكرم والعفو والرحمة الإلهية يبعد عن قلبه وساوس ألشيطان التي قد توقعه في اليأس من رحمة الله وعفوه تحت طائلة الشعور بالذنب أو قسوة القلب.
وفي المقابل فإن هذه الفقرة تبعث في قلب الداعي حسن الظن والرجاء بالعفو الإلهي الواسع والطول الرباني الكريم والرحمة الإلهية غير المتناهية، وهذا الأمر يجعل قلب الداعي مفعماً بالأمل ومستعداً بذلك للفوز بالمغفرة الإلهية.
والأثر المتقدم يعززه قول الداعي في نهاية الفقرة وهو يدعو الله عزوجل بطلبه المحوري قائلاً: (فيا من هو أوحد في رحمته إغفر لمن ليس بأوحد في خطيئته).
هنا تستقوي روح الإلتجاء الى الله عزوجل واليأس من الأسباب بأستذكار حقيقة أن الله عزوجل هو (أوحد) لا نظير له في رحمته التي تشمل بعفوه من هو أعظم ذنباً منه (أي الداعي) فهو ليس أوحد في الخطيئة كما ورد في نهاية الفقرة.
رزقنا الله وإياكم جميل مغفرته بجميع مراتبها إنه سميع مجيب. وشكراً لكم ايها الأعزاء على طيب الصحبة لنا في هذا اللقاء من برنامج (ينابيع الرحمة) تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعاية الله.