بسم الله وله الحمد غياث المستغيثين وأزكى صلواته على رحمته الكبرى للعالمين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين، نتابع معاً إستلهام قيم الحياة الكريمة من خلال التدبر في فقرات دعاء مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) المندوب لتلاوته بعد زيارة جدِّه سيد الشهداء (سلام الله عليه) يوم عاشوراء. فبعد تحميد الله والإقرار بوحدانيته الكبرى والصلاة على الرسول الأعظم وآله المتضمنة كما ألمحنا طلب المزيد من معرفتهم ومودتهم عليهم السلام يقول الداعي: (اللهم إني أسألك بحق هذا الإمام فرجاً قريباً، وصبراً قريباً جميلاً، ونصراً عزيزاً). نبدأ أولاً بالتدبر في العبارة الأولى، فما معنى التوسل الى الله بحق هذا الإمام؟
لا يخفى عليكم مستمعينا الأفاضل أن المقصود بقول الداعي (هذا الإمام) هو الإمام الحسين (عليه السلام) الذي زاره قبل أن يؤدي صلاة الزيارة ثم يتوجه للدعاء.
وهذه هي من سنن زيارة أهل بيت النبوة (عليهم السلام) عموماً. أي أن يدعو الزائر ربّه الجليل ويسأله بحق الإمام الذي يزوره، فلماذا يتوسل الى الله عزوجل بالإمام أولاً، وثانياً ما هو حق الإمام الذي يدعوه به؟
بالنسبة للسؤال الأول، فالتوسل الى الله عزوجل بأوليائه المقربين (عليهم السلام) هو أمرٌ عبادي أمرنا الله عزوجل به ونحن نتعبد لله بالعمل به طاعة له وعملاً بمشيئته. وقد عرفنا هذا الأمر من كثير من الآيات الكريمة التي تأمرنا بابتغاء الوسيلة الى الله وقد هدتنا صحاح الأحاديث الشريفة الى أن أسمى مصاديق الوسيلة هم أولياء الله المقربون محمدٌ وآله الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين.
إذن فنحن أولاً أيها الأخوة والأخوات نطيع أمر الله عزوجل بأن نسأله قضاء حوائجنا بحق الإمام الذي نزوره سواءٌ عرفنا الحكمة من هذا الأمر العبادي أم لم، نعرفها تماماً مثلما نطيعه في إقامة الصلاة أو التوجه إليه بالدعاء أو التقرب إليه بسائر العبادات سواءٌ عرفنا عللها أم لم نعرفها، وهذه هي حقيقة وجوهر العبادة التوحيدية الخالصة لله عزوجل، فإذا شرطنا طاعتنا لله عزوجل بمعرفة الحكمة والفائدة من كل أمر يامرنا به لن تكون هذه الطاعة طاعة له جل جلاله ولا عبادة له عزوجل، بل ستكون عبادة لعقولنا أو لنفوسنا التي اقتنعت بهذا الأمر فأطاعته ولم تعرف حكمة الأمر الآخر أو العبادة الأخرى فأعرضت عنها.
ولكن ما قلنا آنفاً لا يعني - مستمعي العزيز- أن لا نسعى لمعرفة الحكمة من العبادات التي نقوم بها، بل المقصود عدم شرط الطاعة والعمل بالعبادة بمعرفة الحكمة، فهذا من مصاديقه الشرك.
أما السعي لمعرفة الحكمة فهو أمرٌ مطلوبٌ للقيام بالعبادة بالصورة الفضلى: وهذا ما يصدق أيضاً على ما نحن بصدده من التوسل الى الله عزوجل بأوليائه المقربين (عليهم السلام)، فمعرفة الحكمة من أمره تبارك وتعالى لنا بأن ندعوه بهم (عليهم السلام) يعيننا على القيام بهذا الأمر العبادي بصورة أفضل: فما الحكمة من هذا الأمر العبادي؟
لعل من أهم مظاهر الحكمة الإلهية من أمره لنا بأن ندعوه بمحمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، هو أن التوجه إليه عزوجل بهم هو بحدّ ذاته وسيلة لزيادة محبتهم ومودتهم في القلوب وترسيخ معرفتهم في العقول وهذه مقدمة ضرورية للتخلق بأخلاقهم السامية والعمل بوصاياهم الإلهية، وفي ذلك أوسع أبواب التقرب الى الله عزوجل.
ونصل مستمعينا الأعزاء الى الإجابة عن السؤال الثاني وهو عن معنى (حق الإمام) عموماً والإمام الحسين (عليه السلام) في هذا المورد، فما مغزى أن ندعو الله عزوجل بحقه (عليه السلام)؟
الإجابة عن هذا السؤال نجدها في كثير من الأحاديث الشريفة التي تصرح بأن الله عزوجل قد أوجب على نفسه حقاً للإمام الحسين بأن يحيط زواره برحماته الخاصة ويستجيب دعاءهم وتوسلهم به كرامة له (عليه السلام) على ما قدمه في سبيل الله من تضحيات لا نظير لها، وهذا من مصاديق الجزاء الأوفى والكرم الإلهي العميم.
وها نحن نصل اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران وبتوفيق الله الى ختام حلقة أخرى من برنامج (ينابيع الرحمة)، تقبل الله منكم جميل المتابعة ودمتم في رعاية الله.