بسم الله وله الحمد مجيب الدعوات وأزكى صلواته على أوليائه الهداة محمد وآله الأصفياء.
السلام عليكم أيّها الأعزاء، كانت الحلقة السابقة من برنامج ينابيع الرحمة هي أخر حلقة كتبها عزيزنا الراحل الاستاذ الورع الدكتور محمود البستاني قبيل وفاته )رضوان الله عليه(. وقد كانت هذه الحلقة في شرح الفقرة الأولى من دعاء مولانا الإمام المهدي (عجل الله فرجه) بعد الزيارة المرويّة عنه التي يزور بها جده الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء.
وادامة لنهج العالم الفقيه الحاج البستاني (رضوان الله عليه) في إستفادة العقائد الحقة والأخلاق الكريمة والتوحيد الخالص وسبل الإرتباط الصادق بالله عزوجل وغير ذلك من خلال التدبر في أدعية أهل بيت النبوة (عليهم السلام)؛ نقول إدامة لهذا النهج المبارك نواصل هذه التأمُّلات المباركة في الأدعية الشريفة من حيث إنتهى الاستاذ البستاني ونحن نهدي ثواب ذلك الى روحه الزكية (رضوان الله عليه).
بعد الفقرة الأولى في الدعاء والخاصّة بتمجيد الله عزوجل والإقرار بوحدانيته وربوبيته والخضوع بالعبودية له، يقول مولانا الإمام المهدي (أرواحنا فداه): (اللهم إني أشهدك على تصديقي رسولك (صلى الله عليه وآله) وإيماني به وعلمي بمنزلته، وإني أشهد أنه النبيّ الذي نطقت الحكمة بفضل وبشرت الأنبياء به، ودعت إلى الإقرار بما جاء به، وحثت على تصديقه بقوله تعالى: «الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ»، فصلِّ على محمد رسولك إلى الثقلين وسيّد الأنبياء المصطفين، ...).
إذن فالفقرة الثانية من دعاء مولانا المهدي بعد زيارة يوم عاشوراء هي إشهادٌ لله عزوجل على الإيمان بالنبوة المحمدية وبمنزلة النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله).
وسعياً للحصول على الإستفادات التربوية من هذه الفقرة نثير أولاً عدة أسئلة بشأنها ثم نبحث معاً عن إجاباتها.
السؤال الأول: ما معنى أن يشهد الداعي ربه على عقائده وما هي آثار ذلك؟
والسؤال الثاني: ما الفرق بين تصديقه رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإيمان به والعلم بمنزلته؟
والسؤال الثالث: ما مغزى تشبيه الحكمة بالناطقة التي تنطق بفضله (صلى الله عليه وآله)؟
مستمعي الكريم، في الإجابة عن السؤال الأول نقول: إن أسلوب إشهاد الداعي لله عزوجل على عقائده من الأساليب المهمة التي نلاحظها بكثرة في نصوص أدعية وزيارات أهل البيت (عليهم السلام)، الأمر الذي يُنبّهنا الى أهمية الفائدة التربوية المترتبة عليه؛ والذي نفهمه - والله العالم- أنّ في هذا الإشهاد بعثاً لروح المسؤولية تجاه العقائد الحقة وتبعاتها في قلب الداعي وتقويتها.
أجل، فمما لاشك فيه أن الله عزوجل عالمٌ بما في قلب الداعي وما يعتقده وهذا ما ينبه له إمام العصر (عليه السلام) في الفقرة السابقة لهذا الإشهاد حيث يصف الله عزوجل بكونه (مطلعاً على الضمائر، عارفاً بالسرائر، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ).
من هنا نفهم أن إشهاده عزوجل تجاه ما يعلمه مما يعتقده عبده، هو بمثابة وسيلة يذكر بها الداعي نفسه بالعقائد الحقة أولاً، وثانياً تحذير نفسه من الغفلة عنها ومن نقض ما توجبه من إلتزامات عملية وسلوكية لأن الشاهد عليه بشأنها هو الله عزوجل.
وقد ذكر بعض أهل المعرفة أن هذا الإشهاد المتكرر في الأدعية الشريفة يتضمن طلباً من الله عزوجل بتقوية الإيمان بها في قلب الداعي وان يرزقه الثبات عليه.
مستمعينا الأكارم، أما بالنسبة للسؤال الثاني فنقول: إن الفرق بين التصديق والإيمان والعلم يكمن في درجة الإعتقاد - وهنا فيما يرتبط بالنبوة المحمدية-، وثمة ترابط تصاعدي بين هذه الدرجات، إذ إن التصديق بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) هو مقدمة للإيمان به والإيمان به رسولاً من الله عزوجل، والإيمان به (صلى الله عليه وآله) هو مقدمة تؤدي الى العلم بمنزلته.
من هنا نستفيد أيها الأخوة والأخوات إستفادة تربوية مهمة وهي أن علينا أن نرسخ في قلوبنا التصديقه برسول الله (صلى لله عليه وآله) إذا أردنا أن نقوي الإيمان به وبنبوته، ثم علينا أن نقويَّ في قلوبنا الإيمان به إذا أردنا أن نعرف منزلته الحقيقية (صلى الله عليه وآله) عند الله عزوجل ومن بين الأنبياء والمرسلين عليه وآله وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
مستمعينا الأفاضل، أما بالنسبة للسؤال الثالث وباقي ما نستفيده من فقرة هذا اللقاء من برنامج (ينابيع الرحمة) فنكل الحديث الى الحلقة المقبلة بأذن الله تعالى، تقبل الله منكم حسن الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله.