نواصل حديثنا عن الأدعية المباركة ومنها دعاء الامام المهدي (عليه السلام) الخاص بقراءته يوم عاشوراء حيث حدثناك عن مقاطع متنوعة منه ونحدثك الآن عن مقطع جديد ورد على هذا النحو: (اللهم ان استغفاري إياك وأنا مصّر على ما نهيت، قلة حياء، وتركي الاستغفار مع علمي بسعة حلمك، تضييع لحق الرجاء،...). ان هذه الشريحة من الدعاء تتسم بأهمية بالغة حيث ترسم لنا اسلوب التعامل مع الله من جانب وكيفية ممارسة السلوك المطلوب عبادياً: من جانب آخر، واليك التفصيل في هذا الموضوع.
من الحقائق العبادية التي ينبغي على الشخصية الاسلامية أن تمارسها هي الالتزام بمبادئ الله تعالى، اي: العمل بما هو واجب ومندوب والترك لما هو محرم ومكروه، ومن ثم تحويل ما هو (مباح) الى ما هو (مندوب)؟
هذا هو السلوك المطلوب من الشخصية الاسلامية، لكن بما ان الانسان يتعرض لحالات الضعف من خلال الاغواءات الشيطانية فأن صدور الذنب منه ينبغي ان يعقبه سريعاً: الندم على الذنب والتوبة الى الله تعالى منه، اما في حالة اصرار الانسان على الذنب (لاسمح الله تعالى) ثم الاستغفار، فهذا (قلة حياء) - كما قال النص - لان الاصرار على الذنب مع الاستغفار، يظل لعباً اكثر منه حقيقة كما هو واضح. من هنا قال الدعاء بأن الاصرار المذكور يعدُّ قلة حياء، اذن المطلوب هو الترك للذنب والتوبة منه ثم: تعديل السلوك، وهذا هو الشق الاول من شريحة الدعاء، لكن ما هو الشّق الآخر؟
يقول النص: (وتركي الاستغفار مع علمي بسعة حلمك تضييع لحق الرجاء)، ترى ماذا نستلهم من العبارة؟
الجواب: واضح ان الشخصية اذا تركت الاستغفار بحجة انها مصرّة على الذنب: يفضي بها الى ان تيأس، وهذا ما لا يريده الله تعالى بخاصة: ان النصوص الشرعية تطالب بان تصبح الشخصية ذات توجّهين: احدهما الخوف والآخر الرجاء، حيث ان الخوف يدفعها الى الاقلاع عن الذنب والرجاء يدفعها الى التشويق العبادي وبذلك يتعدل سلوكها، من هنا طالب النص الذي نتحدث عنه بممارسة الرجاء وليس اليأس من قبول التوبة وهذا ما تجسّد في عبارة: (وتركي الاستغفار مع علمي بسعة حلمك تضييع لحق الرجاء)، اي: بما ان الانسان ملزم الآييأس من رحمة الله تعالى بسبب صدور الذنب منه لذلك فأن (الرجاء) للرحمة يغرض عليه أن يستغفر من ذنبه حتى لو كان متكرِّراً ولكن بشرط الاقلاع والتوبة بطبيعة الحال.
بعد ذلك يقول النص: (اللهم ان ذنوبي تؤيسني ان ارجوك، وان علمي بسعة رحمتك يمنعني ان اخشاك، فصل على محمد وآل محمد، وصدّق رجائي لك، وكذبّ خوفي منك، وكن عند احسن ظني بك يا اكرم الاكرمين). هذا النص جواب لما ذكرناه قبل قليل اي:ان تأرجح الشخصية بين الخوف والرجاء هو الذي ينقذها من الانحراف الذي هي عليه، حيث انّ الخوف يدفعها الى الاقلاع عن الانحراف والرجاء يشجِّعها على ذلك، والا فإنّ اليأس من رحمته تعالى يجعلها متوقفة عن ممارسة وظيفتها العبادية وهذا هو الكفر بعينه تبعاً لقوله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ.
اذن التأرجح بين الخوف والأمل هو السلوك المطلوب، وفي ضوء هذه الحقيقة ذكر الدعاء بأن الشخصية المذنبة مرشحة لأن تيأس من الرجاء ولكن علمها بسعة رحمته تعالى تمنعها من ان تخشاه، اذن ما هو الحلّ؟
الحل هو التوجه الى الله تعالى بأن يصدّق رجاءها ويكذب خوفها ومن ثم: ان يكون الله تعالى عند حسن ظن العبد، وهو: قبول التوبة، وغفران الذنب، وتعديل السلوك في نهاية المطاف، وهو المطلوب.
ختاماً نسأله تعالى ان يصلي على محمد وآل محمد وأن يسعنا برحمته التي لاحدود لها وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.