نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها ادعية الامام المهدي (عليه السلام) حيث حدثناك عن أحدها، وهو الدعاء الخاص بقراءته في مشهد الامام الحسين (عليه السلام)، وانتهينا من ذلك الى مقطع ورد فيه: (واجعل قولي في الناس مسموعاً، وعملي عندك مرفوعاً، واثري في الخيرات متبوعا، وعدوي مقموعاً)، هذا المقطع من الدعاء يتضمن جملة ظواهر، منها: العبارة القائلة: (واجعل قولي في الناس مسموعاً)، ترى ماذا نستخلص من الفقرة المتقدمة؟
لعلنا نعرف جميعاً بان كلاً منا موظف بان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ومن ثم فان ما يتمناه الانسان من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، ان يكون لقوله أثره في الاخرين اي: ان يسمع الاخرون ما نقوله وان يعملوا به، وقد ورد في النص القرآني الكريم التوسل بالله تعالى بأن يجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اي: يهتدي الاخرون بنا، وهو قمة الطموح العبادي للانسان، وكما ورد في الحديث بما مؤداه: لو ان الله تعالى هدى شخصاً واحداً بواسطة كلامنا لكان اغلى مما في الدنيا وما فيها، اذن العبارة القائلة: (اجعل قولي في الناس مسموعاً) تنطوي على معطيات كثيرة، سائلين الله تعالى ان يجعلنا كذلك.
ونتجه الى عبارة (وعملي عندك مرفوعاً)، فماذا نستلهم منها؟ واضح ان العمل المرفوع هو ما ترفعه الملائكة الى الله تعالى تعبيراً عن قبوله لدى الله تعالى، ونحن اذا كان كلامنا في الناس مسموعاً، حينئذ يكون كلامنا المذكور عملاً مرفوعاً كما هو واضح، وهكذا بالنسبة الى سائر اعمالنا حيث نتوسل بالله تعالى ان يجعل عملنا مرفوعاً: ان شاء الله تعالى.
بعد ذلك نتجه الى عبارة (واثري في الخيرات متبوعاً)، فماذا نستلهم من ذلك؟
الجواب: لعلك تتساءل ما الفارق بين العبارة التي حدثناك عنها قبل قليل وهي: (واجعل قولي مسموعاً)، وبين العبارة التي واجهناك بها الآن هي: (واجعل اثري في الخيرات متبوعاً)؟
نقول الفارق هنا هو: القول والعمل، وأحدهما غير الاخر فمن الممكن والعياذ بالله تعالى ان يقول الانسان، ولكنه لا يعمل به: كمن يوصي بعدم الكذب ولكنه يكذب، وقد يكون القول مقروناً بالعمل، واما العمل وافتراقه عن القول فهو: من الممكن ان يعمل الانسان عملاً خيراً: كبناء المسجد، واطعام الناس او مساعدة الفقراء، وقضاء حوائجهم، وتاليف البحوث الفكرية في ميدان العقائد والاخلاق والاحكام وحينئذ يبقى عمله معروفا للاجيال المعاصرة واللاحقة فيتبع الناس اثر هذا العمل: الاقتصادي او العلمي وبذلك تتحقق الفائدة المطلوبة في نشر المعرفة وتعليمها وترك اثرها لاحقاً، وقد ورد الحث على ان يترك الانسان عملاً صالحاً بعد موته ينتفع به في اخرته، الا ان عبارة الدعاء التي لاحظناها تتحدث عن مطلق العمل بالنحو الذي اوضحناه.
اخيراً يختم مقطع الدعاء بعبارة (وعدوي مقموعاً) اي: مهزوماً ممنوعاً من ايصال اذاه الى الانسان، وهذا امر لا يحتاج الى توضيح بقدر ما يحتاج الى التوسل بالله تعالى بان يكفينا شر الاعداء على شتى مستوياتهم سواء اكانوا اعداءاً للفرقة الناجية: أتباع اهل البيت او كانوا اعداءاً على مستوى الفرد، ففي الحالات جميعاً ان تحقيق التوازن النفسي يتطلب فرصاً يستطيع الانسان من خلالها ان يمارس وظيفته العبادية بالنحو المطلوب.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******