لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن أحد أدعيته الخاص بقراءته في مشهد الامام الحسين (عليه السلام)، وانتهينا من ذلك الى احد مقاطعه البادي بعبارة: (اللهم اني اسألك علماً نافعاً) الى ان يختم بعبارة (وأجراً جزيلاً)، ونحدثك الآن عن العبارة المتقدمة اي: التوسل بالله تعالى بان يعطينا اجراً جزيلاً على زيارة الحسين (عليه السلام) وعلى قراءة هذا الدعاء، ومطلق الاعمال العبادية، و(الاجر) يقصد به (الثواب) واما (الجزيل) فهو: (العظيم) لذلك: لا نحتاج الى التعقيب على هو التوسل بقدر ما نحتاج الى توضيح آخر هو: ان المطلوب في المقام الاول هو: (الرضوان) اي: رضاه تعالى ثم (الثواب) في الدرجة الثانية، وهذا مايطبع سلوك الابرار والشخصيات الواعية التي تعبد الله تعالى لا طمعاً بالجنة ولا هروباً من النار بل لانه تعالى اهل للعبادة دون ادنى شك.
ونتجه الى مقطع جديد من الدعاء، يبدأ على النحو الآتي: (اللهم ارزقني شكر نعمتك علي وزد في احسانك وكرمك الي، واجعل قولي في الناس مسموعاً وعملي عندك مرفوعاً، … الخ) هذه الفقرات من مقطع الدعاء تتضمن حاجات فردية واجتماعية، الاولى منها هي: شكر النعمة من الله تعالى على قارئ الدعاء، وهو امر لامناص من الشخصية الواعية من العمل به اي: الشكر بصفة ان الشكر هو: التعبير عن احساس العبد بما انعمه تعالى عليه، حيث ان اللئيم هو الذي يكفر بنعم الله تعالى، وحتى في نطاق السلوك البشري، فان الحديث يشير الى ان من لا يشكر المخلوق لا يشكر الخالق، لصفة ان المخلوق يقدم خدمات الى مخلوق اخر ولابد من هذا الاخر من تقديره للخدمات التي قدمها اخوه اليه، والتقدير يفصح عن بناء الشخصية السوية، اي: الخالية من امراض العصاب اذن الشكر من العبد للعبد هو تقدير للاخر وهو خدمة محدودة لاتقاس بنعم الله تعالى على العبد، مما يجعلنا نتساءل: كم ينبغي علينا من الشكر لله تعالى؟
الجواب: لا يمكننا ان نعد نعمة الله التي لا نحصيها، فكيف يمكننا ان نحدد عدد الشكر لله تعالى.
بعد ذلك نواجه عبارة: (وزد في احسانك وكرمك الي)، فماذا نستلهم منها؟
الجواب: الاحسان ضد الاساءة، وهذا يعني انه: العمل الذي ينطوي على ما هو جميل ومرغوب وايجابي، واما الكرم فهو: الاعطاء المادي والمعنوي للاخر، وهذا العطاء يتفاوت في درجته، حيث يمكن لأحدنا ان يقضي للاخر حاجته من دون ان يسأله، ويمكن ان يقضيها بعد سؤاله، واللغة تقول: الكريم هو الذي يعطي قبل ان يسأل، وهذا مانلحظه بالنسبة الى عطاءات الله تعالى، حيث ورد في احد الادعية: (يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله، ومن لم يعرفه، تحننا منه ورحمة)، اذن عبارة: اللهم زد في احسانك وكرمك اليّ، تعني: التوسل بالله تعالى بان يزيد احسانه الينا وهو ممن لاحدود لاحسانه، انه احسان مطلق، والامر كذلك بالنسبة الى عطاء الله تعالى، الى كرمه الذي يغدقه على العبد من دون سؤال، وهو منتهى الرحمة التي يمكن تصورها.
اذن امكننا ان نتبين دلالة العبارات المتقدمة سائلين الله تعالى ان يزيد في احسانه وكرمه الينا وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******