نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام) حيث حدثناك عن أحد أدعيته الخاص بقراءته في مشهد الامام الحسين (عليه السلام) وانتهينا من ذلك الى ما يأتي: (ولا بعيداً الا ادنيته، ولا شعثاً الا لممته، ولا سؤالاً الا أعطيته)، بهذه العبارات يختم أحد مقاطع الدعاء وهو مقطع يتخذ هذا النمط من الاساليب، وهو: اسلوب الحصر لحاجات قارئ الدعاء، مقروناً بأداة الاستثناء (الا) مسبوقاً باداة نفي (لا) تأكيداً على أهمية الحاجات، وهي حاجات فردية واجتماعية، اقتصادية، سياسية، اخوانية، ... الخ، ومنها: هذه الحاجات الثلاث: تقريب البعيد ولم المتفرق، ثم مطلق الحاجة حيث ختم مقطع الدعاء بعبارة: (ولا سؤالاً الا اعطيته) ، وهو اسلوب لافت للنظر من حيث بلاغته واثره عند قارئ الدعاء، حيث يبدأ المقطع بحاجات مثل: غفران الذنب، ستر العيب، كشف الغم، بسط الرزق، قمع الحسود، ... الخ، وينتهي بثلاث من الحاجات هي (ولا بعيداً ألا قربته، ولا شعثاً الا لممته) ثم اخيراً (ولا سؤالاً الا اعطيته)، حيث ان الاخير هو: استكمال لأية حاجة لم يذكرها الدعاء، بينما هي خاصة بهذا الفرد او ذاك، حيث لا حصر للحاجات فتكون عبارة (ولا سؤالاً الا اعطيته) تعني: اية حاجة تهم قارئ الدعاء وهو اي القراء كثيرون وحاجاتهم كثيرة: كبيرة او صغيرة، ... الخ، فتكون العبارة المذكورة شاملة للحاجات جميعاً، وهذا يكشف عن اهتمام المعصوم (عليه السلام) بحاجات الناس، والحرص على اشباعها جميعها.
يبقى ان نحدثك عن الحاجتين الاخريين، وهما (ولا بعيداً الا قربته ولا شعثاً الا لممته)، فماذا نستلهم منهما؟
ان الحاجتين المذكورتين تكشفان عن حرص الامام (عليه السلام) على توثيق العلاقات الاجتماعية، بصفة ان المجتمع الاسلامي لا يمكن ان يحقق توازنه الا من خلال آليات متنوعة في مقدمتها: وحدة الكلمة والهدف والحضور الجمعي لأطراف العلاقة، هنا قد تسأل وتقول: ماذا نستلهم من العبارتين المتقدمتين من حيث صلتهما بالعلاقات الاجتماعية؟
الجواب: ان توثيق العلاقة يتم بين جملة اطراف اجتماعية، منها: ما يسمى بـ (علاقات المواجهة) اي: الجماعة المحلية التي تتلاقى وجهاً لوجه مثل: العائلة، الجوار، الصداقة، والدائرة الدراسية الخ، وهناك علاقات عامة لا مواجهة فيها مثل: الحاكم والمحكوم، المواطنة بشكل عام، وقد تعرض الامام (عليه السلام) الى نمطين من العلاقات الاولى وهي (البعيد) عن عائلته او صديقه أو جاره الخ، والمتفرق منهم من خلال المقاطعة مثلاً او غيرها من العلاقات المفككة التي ينزغ فيها الشيطان بين الاخوة، فيجعلهم متفرقين متوترين حاقدين الخ، وهي ظواهر انحرافية يحرص الاسلام علي ازالتها متمثلة في جملة اساليب تفضي في نهايتها الى (لمّ الشمل) او(لمّ الشعث): كما عبر الامام (عليه السلام) عن ذلك، حيث ان (الشعث) هو: المتفرق من الناس.
وأما النمط الاخر من توثيق العلاقة فهو: تقريب البعيد كالمهاجر وعودته الى اهله والمسافر وعودته الى اهله وهكذا، اذن: اتضح لنا مدى اهمية هذه الحاجات التي ذكرها الامام (عليه السلام) سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يوفق الى تحقيق ذلك، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******