لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الامام المهدي (عليه السلام)، وهو الدعاء الخاص بقراءته في مشهد الامام الحسين (عليه السلام)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، وانتهينا من ذلك الى قوله (عليه السلام): (ولا عدواً الا أرديته، ولا شراً الا كفيته، ولا مرضاً الا شفيته، ... الخ)، هذه العبارات امتداد لما سبقها، ومنه عبارة: (ولا حسوداً الا قمعته)، حيث حدثناك عن ذلك في لقاء سابق، ولكننا نستهدف الآن استحضار هذه العبارة المرتبطة بالحسود ومقارنتها بالعبارة المرتبطة بالعدو، حيث توسل الدعاء بالله تعالى بان يردي العدو، ولكنه توسل بان (يقمع) الحسود، فما هي النكتة الكامنة وراء ذلك؟.
لقد كان من الممكن ان يقول الدعاء: (ولا حسوداً الا ارديته) اتساقاً مع عبارة: (ولا عدوا الا ارديته)، مع ان الحسود والعدو: ينزعان من خط واحد هو: النزعة العدوانية، ولكننا نجد ان الدعاء يتوسل بالله تعالى بان (يقمع) العدو لا أن يرديه، مرة ثانية نتساءل عن السبب الكامن وراء ذلك، مادمنا حريصين على قراءة الادعية قراءة واعية؟
الجواب: الحسود يجسد احد اشكال العداء، بينما العداء هو عنوان عام يندرج ضمنه: الحاسد، الحاقد، والقاتل، والشاتم والساخر والخ، من هنا يتوسل الامام (عليه السلام) بالله بان (يردي) العدو اي: (يهلكه) حتى تتجنب شروره، اما الحاسد فهو احد مصاديقالعدو ولكن ينحصر عداؤه في كونه يتمنى زوال النعمة من الشخص، لذلك فان علاج الحسد (ليس قتل الحاسد) بل توقي شره، ولذلك ورد في القرآن الكريم: «وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ» وهذا يعني: ان العلاج هو: ذهاب شر الحاسد، وهذا ما عبر عنه الامام (عليه السلام) بعبارة (ولا حسداً الا قمعته) اي: صرفته عما كان ينويه أو يتمناه من زوال النعمة، اذن: القمع معناه: صرف الشخص عما يحمله من مشاعر الحسد.
ونتجه الى عبارة (ولا شراً الا كفيته)، فماذا نستلهم من العبارة؟
هنا نتساءل جديداً: لماذا عبر عن الشر بعبارة (كفيته) ولم يقل مثلاً (قمعته)؟
هنا نكتة جديدة في مقطع الدعاء، ترى ما هي النكتة المذكورة؟
الجواب: الكفاية هي: الاستغناء عن الشيء، وعندما يتوسل الامام (عليه السلام) بالله تعالى بأن يكفينا الشر، فهذا يعني: يجعلنا مستغنين عنه، وذلك بعدم وروده علينا اي: صرفه عنا، وبهذا نتبين السر الكامن وراء ذلك وهو: ان الشر ينسحب على مفردات كثيرة، قد يكون الشر عدواً أو أرهاباً أو عاهة أو اضطراباً امنياً، ... الخ، ولذلك فان صرفه عن الشخصية: كاف في التخلص منه، ولايحتاج الامر الى خصوصية في القتل (كما العدو) ولا خصوصية في الصرف (كما الحاسد) وانما مطلق الشر فمثلاً في كل ما يحصل به الاذى.
بعد ذلك نواجه عبارة (ولا مرضاً الا شفيته)، فماذا نستلهم من العبارة الواضحة؟ العبارة من الوضوح بحيث لاتحتاج الى تعقيب، بيد ان ما نستهدف لفت النظر اليه هو: ان النصوص الشرعية عندما تبهم حيناً شدائد الحياة انما تتحدث بنحو مطلق ولكن حين تذكر احد المصاديق فلأنه يحمل أهمية او شدة خاصة وهذا ما يتمثل في احد المصاديق للشدائد وهو: (المرض) بصفته يشل الشخصية من ممارسة سلوكها العادي، اي يتمثل في شدة معينة هي: المرض، ولذلك يتوسل الامام (عليه السلام) بان يشفي المرضى ومن ثم: فان الصحة نعمة لا يقدرها الانسان الا بعد فقدانها بواسطة مجيء المرض.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******