نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الامام المهدي (عليه السلام)، حيث يتلى في حرم الحسين (عليه السلام) وقد استهل الدعاء بالقسم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبمشهد الامام الحسين (عليه السلام)، سائلاً من الله تعالى من خلال القسم عليه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام الحسين (عليه السلام) أن يدفع تعالى عن قارئ الدعاء شدائده، حيث تضمن العبارات الآتية: (اللهم اني اقسم عليك) ، الى ان يقول: (ان تكشف ما بي من الغموم، وتصرف عني شر القدر المحتوم، وتجيرني من النار ذات السموم، ... الخ) .
ان هذه العبارات الثلاث تحتاج الى القاء الاضاءة على موضوعاتها.
لقد توسل الدعاء بالله تعالى من خلال قسمه على الله تعالى بنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) والحسين ان يدفع شدائد قارئ الدعاء. والسؤال هو: ما هي الشدائد المعروضة؟ هل هي دنيوية ام اخروية ام كلاهما؟
يبدو انها من كليهما او كلتيهما اي: شدائد الدنيا وشدائد الآخرة وقد ابرز الدعاء احدى الشدائد الدنيوية متمثلة في (الغموم)وهي جمع لمفردة (غم). ترى ما هي الاعراض التي تفصح عن (الغم)؟
لا نريد اللجوء الى ما يقرره علم النفس العيادي من مصطلح (الغم) وهو مصطلح يقترب من مصطلح نفسي معروف هو (الكآبة) وقد أوصت النصوص الشرعية بتناول العنب الاسود لازالة (الغم)، بيد ان ما نعتزم توضيحه هنا: ان الكآبة او الغم نمطان احدهما: يجسد عرضاً مرضياً عادياً والاخر: يجسد اضطراباً في سلوك الشخصية وبنائها العصبي العام. بيد ان المقصود - في تصورنا- ان الغم هنا نمطه البسيط وليس المعقد وفي هذه الحالة فان الاسباب الكامنة وراء حدوث الغم الذي قد يفضي الى الانزواء والعزلة وفقدان الشهية وفقدان الاهتمام بسائر ما يهتم العاديون به.
غير ان ما نحرص على اثارته هنا ان الغم او الحزن - كما طالبت النصوص الشرعية- ينبغي الا يظهر على سلوك المؤمن بل يختزنه في داخله، ولذلك ورد عن المعصوم (عليه السلام): (ان المؤمن بشره في وجهه وحزنه في قلبه) . وهي توصية تدرب الشخصية على تحمل الشدة وكتمانها لان ذلك يفضي الى تحقيق التوازن النفسي لها.
وهذا كله من حيث التعامل مع الغم بيد ان الدعاء - في تصورنا- قد يلمح الى الغموم العبادية اي: ما يواجهه المؤمن من ظهور الفساد في البر والبحر يحمله على الحزن عبادياً، وهو حزن مطلوب دون ادنى شك.
المفردة التي وردت في الدعاء بعد ظاهرة (الغم) هي: (القدر المحتوم) حيث توسل الدعاء بالله بان يرفع عن قارئ الدعاء شر القدر المحتوم.
والسؤال: ما المقصود بهذا القدر؟ هل هو: شقاء الشخصية مثلاً من الزاوية العبادية، او هو الشر الدنيوي المتمثل في الشدائد التي تصيب الانسان مما تعد من الشدائد المعتد بها: كالفقر المدقع أو موت الاعزاء، أو ما يصيب الشخصية من عاهات أو اضطرابات او مخاوف متنوعة.
والجواب هو: امكانية ان يكون الامر كذلك اي: مطلق الاقدار المحتومة، حيث ان الدعاء يتكفل - كما ورد النص الشرعي بذلك- بان يرفع الدعاء حتى المحتوم من القدر. ليستوي في ذلك ان يكون القدر دنيوياً او اخروياً.
ولكن ما نلحظه في العبارة الثالثة من الدعاء وهو التوسل بالله تعالى بان يجيرنا من النار، يظل خاصاً بالشدة الأخروية ولا نحسب ان العبارة المتوسلة بالله تعالى بأن ينقذنا من النار تحتاج الى توضيح بقدر ما تحتاج اولاً الى ان نستحضر وظيفتنا العبادية والالتزام بمبادئ الله تعالى فيكون الدعاء اولاً: هو تنبيهاً على ما نغفل عنه، ثم توسلاً بالله بان يجيرنا من النار ان شاء الله تعالى.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من النكات الكامنة وراء العبارات المتقدمة، سائلين الله تعالى فعلاً ان يرفع عنا الغموم، وان يدفع عنا شر الاقدار المحتومة وان يجيرنا من النار، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******