نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء الإمام المهدي (عليه السلام)، وهو دعاء يجمع بين مطالب الدنيا والآخرة، حيث حدثناك عن فقرات منه، ونقدم الآن فقرات جديدة، منها: الفقرة التي تتوسل بالله تعالى بأن يتفضّل: (على الامراء بالعدل والشفقة، وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة، ...) .
ان هاتين الفقرتين اللتين تتضمنان العلاقة بين الحاكم وبين المحكوم هما امتداد لفقرات سابقة كان آخرها: المقطع الذي يتحدث عن المجاهدين والأسرى، حيث قلنا في حينه، ان الأدعية تتناول مختلف شؤون الحياة، ومنها: الحياة السياسية، حيث لاحظنا الآن وسابقاً، قسماً من هذه الادعية، والآن الى تحليل الفقرتين المذكورتين وهما: الوظيفة العبادية للحاكم ومقابلها الوظيفة العبادية للمحكوم. فماذا نستلهم من ذلك؟
بالنسبة الى الحاكم: توسل الدعاء بالله تعالى بان يتفضّل على الامراء بالعدل والشفقة، وهو امر يتطلب القاء الاضاءة عليه، وفي هذا الميدان نقول: ان صفتي (العدل) و (الشفقة) تظلان في الصميم من الوظائف السياسية للحاكم، فالعدل هو: المساواة في الحقوق المترتبة على المواطنين، وهذا الطابع يساهم دون ادنى شك في تحقيق التوازن الاجتماعي، لبداهة ان الشخصية عندما تشاركها زميلتها في المعطى او حتى في المغرم: حينئذ تتوازن داخلياً فلا تحيا التوترات الناجمة من نقص في الاشباع قبالة تخمة في الاشباع بالنسبة الى الشخصية الاخرى واما بالنسبة الى الطابع الآخر وهو: الشفقة فاليك الحديث عن ذلك.
الشفقة او الاشفاق هي: العطف او المحبة المتحسسة لآلام الآخرين، بحيث يحس المواطن بالعاطفة الخاصة حياله من قبل الحاكم، ان الحاكم يمتلك وسائل الاشباع، كما يمتلك طرائق السلوك المفضي الى جعل المواطن آمناً من المخاطر والاتعاب والفقر والمرض وفقدان الأمن، كل ذلك يستطيع الحاكم ان يوفّره للمواطن، محققاً بذلك ما أسميناه بالتوازن الداخلي للافراد والتوازن الاجتماعي للمجتمعات.
ما تقدم يرتبط بوظيفة الحاكم، ولكن ماذا بالنسبة الى المحكوم؟
ان النص - كما لاحظنا- يتوسل بالله تعالى أن يتفضّل على الرعية بالانصاف وحسن السيرة، وهما وظيفتان يجدر بنا ان نحدثك عنهما ولو عابراً فنقول: من المؤسف ان مجتمعاتنا المعاصرة قلّما تلّح على المحكوم بحسن السيرة وبالانصاف، ان هاتين الظاهرتين مفقودتان في الغالب، فمثلاً نجد ان النقد السلبي هو الطابع العام لدى المواطن دون ان ينصف الحاكم - اذا كان عادلاً- في نقده للاوضاع، وايضاً دون ان يحاسب نفسه في سيرته حيال الحاكم، او سيرته الاجتماعية حتى خارجاً عن نكات العلاقة بينه وبين الحاكم، ولقد عالج الامام (عليه السلام) هذه الظاهرة في الصميم حينما وازن بين وظيفة المحكوم ووظيفة الحاكم، فمثلاً اذا كان المواطن سيء السيرة فانه يفسد على الحاكم - في حالة صلاحه - مشاريعه الاجتماعية، وذلك اذا كان نقده غير موضوعي، وهكذا.
اذن العلاقة بين الحاكم والمحكوم تنطلب مراعاة كليهما، اي: ان لكل منها وظيفته، وبذلك يتحقق توازن المجتمعات: كما قلنا.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى الالتزام بوظائفنا بعامة، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******