بسم الله والحمدلله الذي هدانا بفضله وكرمه الى التمسك بعروته الوثقى وحبله المتين قرآنه الكتاب المبين وأهل بيت نبيه المبعوث رحمة للعالمين ابي القاسم محمد –صلى الله عليه وآله الطاهرين-.
السلام عليكم أعزاءنا المستمعين ورحمة الله وبركاته، أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نتابع فيه استلهام آداب الطريقة الفضلى لتلاوة القرآن الكريم وذلك من خلال التامل في عبارات الدعاء المستحب لهذه التلاوة قبلها وبعدها والمروي عن مولانا الامام الصادق –عليه السلام-، وقد انتهى بنا الحديث الى المقطع الثالث من دعائه –عليه السلام- بعد الفراغ من التلاوة وجاء فيه:
"اللهم واجعله –أي القرآن الكريم- لي أنساً في قبري، وأنسافي حشري، وانساً في نشري، واجلعه لي بركة بكل آية قرأتها، وارفع لي بكل حرف درجة في اعلا عليين آمين رب العالمين".
ايها الافاضل، يعلمنا الامام الصادق –عليه السلام- في المقطع المتقدم من دعائه ان من آداب تلاوة القرآن الكريم هو أن نطلب من الله عزوجل بعد الفراغ من كل تلاوة أن يجعل كتابه المقدس أنساً وبركة ورفعة لنا في جميع مراحل حياتنا في الدنيا والآخرة؛ فيقول –عليه السلام- في الفقرة الاولى من هذا المقطع "اللهم واجعله لي أنسا في قبري، وأنساً في حشري، وأنساً في حشري"
في هذه الفقرة من الدعاء نطلب من الله عزوجل أن يجعل القرآن الكريم انساً لنا يدفع عنا مخاوف وأهوال الحياة الأخروية في مراحلها الثلاث الرئيسة وهي حياة البرزخ في القبر البرزخي وهي تشمل حياة عالم البرزخ الذي يقع بين عالمي الدنيا والقيامة، ثم مرحلة يوم الحشر والبعث والقيامة، ثم مرحلة النشر للحياة الأخروية الخالدة.
وجميع هذه المراحل تشتمل على كثير من الصعوبات والاهوال والوحشة التي تجعل الانسان في أمس الحاجة لما يدفعها عنه، وقد جعل الله تبارك وتعالى برحمته الاهتمام بالقرآن وتلاوته والتحقق بحقائقه والاستنارة بانواره من أهم وسائل دفع هذه الأهوال، وقد بشرتنا بذلك كثيرٌ من الاحاديث الشريفة ننعش قلوبنا ببعض نماذجها فأبقونا معنا مشكورين:
نبدأ –إخوة الايمان- بما روي في كتاب (جامع الاخبار) عن حبيبنا الهادي المختار-صلوات الله عليه وآله الاطهار- انه قال ضمن حديث:
"من علم ولده القرآن... يكتب له بكل حرف عشرة حسنات ويمحى عنه عشر سيئآت ويكون –يعني القرآن- معه في قبره حتى يبعث، ويثقل ميزانه ويتجاوز به على الصراط كالبرق الخاطف ولم يفارقه القرآن حتى ينزل به من الكرامة ما يتمنى".
ويفهم من هذا الحديث النبوي –مستمعينا الافاضل- ان الله عزوجل يخلق صورة ملكوتية للقرآن تكون أنساً لقارئه في جميع هذه المراحل يعينه ويدفع عنه الأخطار، وهذا ما صرحت به احاديث أخرى منها ما روي في كتاب الكافي عن الامام الباقر –صلوات الله عليه- قال:
"يجيء القرآن يوم القيامه في أحسن منظور اليه صورة، فيمر بالمسلمين فيقولون: هذا الرجل منا فيجاوزهم الى النبيين فيقولون: هو منا، فيجاوزهم الى الملائكة المقربين فيقولون: هو منا، حتى ينتهي الى رب العزة عزوجل فيقول –أي القرآن-: يارب، فلان بن فلان أظمأت هو اجره وأسهرت ليله في دار الدنيا، وفلان بن فلان لم أظمأ هو اجره ولم أشهر ليله –أي لم يكن ممن يحرص على تلاوة القرآن-، فيقول الله تبارك وتعالى: أدخلهم الجنة على منازلهم، فيقوم قوم فيتبعونه، فيقول للمؤمن: اقرأ وإرق، قال الباقر –عليه السلام-: فيقرأ المؤمن ويرقى حتى يبلغ كل رجل منهم المنزلة التي هي له فينزلها".
أيها الأخوة والأخوات، ويستفاد من النصوص الشريفة المتقدمة ونظائرها أن الله تبارك وتعالى يجعل القرآن أنسا ومدافعاً عمن اهتم بتلاوته والتفاعل القلبي مع آياته، فيكرمه الله سبحانه وتعالى في جميع مراحل الحياة الأخروية بأن يخلق لعبده صورة مبهجة لقرآنه الكريم تكون الشاهد الصدق لقارئه فتدفع عنه كل خوف ووحشة وتبلغ به منازل الكرامة والسعادة الدائمة.
هذا أولاً وثانياً فإن مقدار وحجم هذه الثمار الطيبة يتناسب مع درجة التصاق واستنارة قارئ القرآن الكريم بآياته الكريمة، فالمطلوب هو أن يستعين قارئ القرآن بالله عزوجل لكي يوفقه الى أعلى ما يمكنه من درجات التفاعل الوجداني مع التلاوة وصدق الاستنارة بها واستمطار سحائب الرحمة الالهية بما يتلوه من الآيات الكريمة.
والى هنا ننهي مستمعينا الاطائب حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم وفي أمان الله.