بسم الله والحمدلله الذي من عليها متفضلاً بتوفيق التمسك بعروته الوثقى وحبله المتين، كتابه القرآن الكريم وعترة حبيبه وسيدنا المبعوث رحمة للعالمين المصطفى محمد –صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم مستمعينا الاطائب ورحمة الله وبركاته، طابت اوقاتكم بكل خير واهلاً بكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج نتابع فيها –بعون الله تبارك وتعالى- استلهام آداب الطريقة الفضلى لتلاوة القرآن الكريم وذلك من خلال التأمل في فقرات الدعاء المستحب التوجه به الى الله عزوجل بعد الفراغ من التلاوة، جاء في المقطع الثاني من هذا الدعاء المروي عن مولانا الامام الصادق –صلوات الله عليه-:
"اللهم اجعلني ممن يحل حلالك ويحرم حرامك ويجتنب معاصيك، ويؤمن بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه واجعله لي شفاءً ورحمة وحرزاً وذخراً".
ايها الاخوة والاخوات، عرفنا في الحلقة السابقة ان الايمان بمحكم آيات القرآن الكريم ومتشابهه وناسخه ومنسوخه والاقرار بأنها جميعاً من الله عزوجل انزلها بهذه الصور والكيفيات لحكمة بالغة في تدبير شؤون خلقه، هذا الايمان هو من مصاديق الحمد والشكر لله عزوجل على توفيق تلاوة كتابه العزيز.
وقد جاء التاكيد على هذا الايمان بعد فقرة "ويجتنب معاصيك" في اشارة الى انه من مصاديق اجتناب المعاصي وما نهى عنه القرآن الكريم، ومن مصاديق تحليل حلال الله وتحريم حرامه، اذ ان معرفة الحلال والحرام الالهي ومعرفة المعاصي كمقدمة لاجتنابها، كل ذلك لا يتم الا بالايمان بمحكم الآيات القرآنيه ومتشابهها وناسخها ومنسوخها.
فبدون هذا الايمان قد نأخذ بظاهر آية لا نعرف انها متشابهه تحمل اكثر من وجه فنأخذ بالوجه الذي لا يريده الله فيها والمصداق والتأويل الذي ليس فيه مرضاة الله، او ان نأخذ حكماً من آية منسوخة ونحن لا نعلم بانها منسوخه وهكذا...
من هنا ندرك ان المقصود بالايمان بالمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ هنا هو الايمان الناتج عن معرفة مصاديق ذلك والعمل بما امرنا الله تجاه كلّ منها، وهذا ما نشير اليه بعد قليل فأبقوا معنا مشكورين:
قال الله تبارك وتعالى في الآيتين السابعة والثامنة من سورة آل عمران:
"هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ{۷} رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"
وكما تلاحظون مستمعينا الافاضل، فان هذا النص القرآني ينهى عن اتباع الايات المتشابهة بمعنى اتباع ما يراه الذين في قلوبهم زيغ من تأويل لها اي مصداق لا ينطبق عن الواقع وانما تدعوهم لاختياره الاهواء وابتغاء الفتن.
وفي المقابل يذكر النص ان من صفات اولي الالباب الايمان بان كل هذه الآيات هي من عندالله عزوجل يتبعونها معاً بهداية من الله الوهاب الذي لا يزيغ قلب من آمن عن الحق وعن معرفة المصداق الحقيقي للآيات المتشابهة بحيث تصبح عنده كالآيات المحكمة التي لا تحتمل الا وجهاً واحداً، بمعنى ان يعرف الله عبده بالتأويل الحقيقي والمصداق الواقعي لجميع الآيات التي انزلها محكمة كانت او متشابهة.
والأمر نفسه يجري مع الناسخ والمنسوخ، فنحن نؤمن بانها جميعاً من آيات الله عزوجل، لا نترك آية منسوخة لمجرد كونها منسوخة، بل نتدبر فيها مثلما نتدبر في الآية الناسخة لها، لأنهما معاً من الله تبارك وتعالى نحصل منهما على أنوار هدايته وهداه، في بلاغتها وجمال الحقائق التي تهدي اليها وان عملنا في الجانب العملي بالحكم الذي تثبته الآية الناسخة دون الحكم الذي ورد في الآية المنسوخة.
وعليه يتضح أن المقصود هنا هو ان يحرص تالي القرآن الكريم على اشعار قلبه بقدسية جميع الآيات القرآنية التي تلاها مهما كان نوعها من المحكم او المتشابه او الناسخ او المنسوخ، فهي جميعاً من عندالله عزوجل ينبغي ان نستنير ونستهدي بها وان كان عملنا بالمحكم دون المتشابه وبالناسخ دون المنسوخ.
وقد بينا في حلقات سابقة الى ان معرفة المحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ لاتتم الا بالرجوع الى محمد وآله الطاهرين لان عندهم –صلوات الله عليهم اجمعين- علم القرآن بجميع اسراره ومراتبه وحقائقة، وعليه يكون كمال الايمان بذلك هو بالرجوع اليهم –عليهم السلام- في جميع هذه الموارد.
نشكركم مستمعينا الافاضل، على كرم الاستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله اعمالكم ودمتم في رعايته سالمين غانمين.