بسم الله والحمد لله الذي اكرمنا بالتمسك بعروته الوثقى وحبله المتين كتابه القرآن المبين وأهل بيت حبيبه المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وآله الطاهرين.
السلام عليكم إخوتنا المستمعين، على بركة الله نلتقيكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نتابع فيها استلهام معالم الطريقة الفضلى لتلاوة القرآن الكريم من خلال التدبر في فقرات الدعاء المستحب التوجه به الى الله عزوجل قبل التلاوة، وقد جاء في روايته أن مولانا الامام جعفر الصادق –عليه السلام- كان يقرأه وقد أخذ المصحف الجامع في يده اليمنى قائلاً قبل أن يفتح المصحف في أول مقطع من الدعاء:
"بسم الله، اللهم اني أشهد أن هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، وكتابك الناطق على لسان رسولك وفيه حكمك وشرائع دينك أنزلته على نبيك وجعلته عهداً منك الى خلقك وحبلاً متصلاً فيما بينك وبين عبادك".
مستمعينا الأحبة، إنتهى بنا الحديث الى فقرة "وشرائع دينك" وبها يعلمنا الدعاء ان نستذكر قبل تلاوة ما تيسر من الكتاب العزيز أن في آياته شرائع دين الله عزوجل.
والهدف من هذا الاستذكار هو أن نبحث أثناء التلاوة عن هذه الشرائع الالهيه فيما نتلوه من آيات الذكر الحكيم، ونحفظها لكي نقوي في قلوبنا روح العمل بها.
وهنا ينبغي أن نحصل على الاجابة عن الاسئلة التالية:
ما هو معنى الشرائع أولاً؟ وثانياً: ما الفرق بينها وبين (حكم الله) المشار اليه في الفقرة السابقه التي تذكر أن في القرآن حكم الله؟ وثالثاً لماذا نسب الدعاء في هذه الفقرة بالخصوص الدين الى الله تبارك وتعالى ونسب الشرائع اليه فقال: "وشرائع دينك"؟
نبدأ بالسؤال الأول فتابعونا مشكورين:
أيها الاحبة، عندما نرجع الى كتب اللغة نجدها تذكر أن الشرائع جمع شريعة، وهي تعني المورد الذي يشرب منه الماء او يستقى منه الماء بدون دلو، فالشريعة تصدق على الماء الجاري الذي يسهل تناول الماء منه بلا مشقة الحاجة الى الدلو كما هو الحال في أخذ الماء من البئر.
وعليه يكون معنى الشريعة الطريقه الواضح الظاهر المؤدي الى الماء ومنه سمي الطريقه الاعظم بالشارع لوضوحه.
وقد أستعير هذا المعنى على ما يقرره الدين الالهي من قيم وأحكام واخلاقيات لكونها واضحة الصواب لأنها منسجمة مع الفطرة السليمة يحتاجها الانسان مثلما يحتاج الى الماء ولا غنى له عنها لكي يحيا الحياة المعنوية السليمة كما لا غنى له عن الماء لكي يحيا الحياة المادية السليمة؛ قال الفيض الكاشاني في تفسيريه (الأصفى والصافي):
"الشريعة: هي الطريق الى الماء شبه بها الدين لأنه طريق الى ما هو سبب الحياة الأبدية ومنهاجاً وطريقاً واضحا".
أيها الاخوة والاخوات، وعندما نرجع الى النصوص الشريفة نستفيد منها ان (شرائع دين الله) تشمل كل ما يوصل الانسان الى الحياة المعنوية السليمة ويجعله يسير على الصراط المستقيم دون ان ينحصر معناها في الاحكام الفقهية المعروفة بل يشمل ايضاً كل القيم الحقة والأخلاق الفاضلة والعقائد السليمة التي تنجي الانسان من اتباع الاهواء المضلة سواء كانت أهواءه أو اهواء الآخرين، هذا اولاً وثانياً فبأنقاذه من هذه الأهواء فان شرائع الدين الحق توصل الانسان الى الفلاح والفوز. قال الله تبارك وتعالى في الآية (۱۸) من سورة الجاثية مخاطباً نبيه الاكرم –صلى الله عليه وآله-:
"ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ".
وجاء في نهج البلاغة قول الوصي المرتضى وأمير المؤمنين –عليه السلام-:
"ألا وإن شرائع الدين واحدة وسبله قاصدة فمن أخذ بها لحق وغنم ومن وقف عنها ضل وندم".
وعن مولانا الامام السجاد علي زين العابدين –عليه السلام- قال –كما في ميزان الحكمه- مجيباً عن سؤال في تفسير شرائع الدين:
"جميع شرائع الدين قول الحق والحكم بالعدل والوفاء بالعهد".
أي ان جميع الشرائع الموصلة الى الحياة الطيبة ترجع الى هذه الأصول الثلاثة.
مستمعينا الافاضل، وعلى ضوء ما تقدم من معنى (شرائع دين الله) نخلص الى النتيجة المحورية التالية وهي: أن على قارئ القرآن ان يبحث فيما يتلو من آيات الذكر الحكيم عن كل ما يعينه على سلوك الصراط المستقيم وما يروي ظمأه المعنوي للقيم الحقة والعقائد السليمة والاخلاق الفاضلة والاحكام العمليه فجميعها من مصاديق مصطلح (شرائع دين الله).
وبهذه النتيجة نختم أيها الاكارم حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمه)، استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران... شكراً لكم على كرم المتابعة وفي امان الله.