بسم الله وله الحمد خالصاً اذ هدانا للتقرب اليه بالتمسك بعروته الوثقى وحبله المتين كتابه الفرقان العظيم وأهل بيت حبيبه سيد المرسلين سيدنا ابي القاسم محمد صلى الله وعليه وآله الطاهرين.
السلام عليكم اخوتنا وأخواتنا ورحمة الله وبركاته... طابت أوقاتكم بكل خير وأهلاً بكم في وقفة تأملية جديدة في رحاب الدعاء المروي في كتابي (الاختصاص) و(الإقبال) وغيرهما عن مولانا الامام الصادق –عليه السلام- والمستحب التوجه به الى عزوجل قبل تلاوة ما تيسر من كتابه العزيز، يقول –عليه السلام- في المقطع الاول من هذا الدعاء المبارك:
"بسم الله، اللهم اني أشهد أن هذا كتابك المنزل من عندك على رسولك محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، وكتابك الناطق على لسان رسولك وفيه حكمك وشرائع دينك أنزلته على نبيك وجعلته عهداً منك الى خلقك وحبلاً متصلاً فيما بينك وبين عبادك".
مستمعينا الافاضل، تعرفنا –في الحلقة السابقة- الى أن من آداب تلاوة الذكر الحكيم البحث عن حكم الله عزوجل من مختلف شؤون الحياة إذ أن في القرآن حكم الله عزوجل كما نصت على ذلك النصوص الشريفة التي عرضناها في الحلقة السابقة.
وهنا نسأل: وكيف يأخذ قارئ القرآن حكم الله عزوجل من كتابه الحكيم؟ الأجابة العامة عن هذا السؤال حدوتها الآيات الكريمة نفسها فهي تصرح بأن سنة الله جل جلاله في عباده جرت على أساس انزال كتبه السماوية وفيها حكمه ولكن لكي يحكم به بين الناس النبيون –عليهم السلام- وبالتالي من يقوم مقامهم من العلماء الربانيون والأخبار الصادقين، فمثلاً نقرأ من سورة المائدة الآية ٤٤ قوله تبارك وتعالى:
"إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء"
كما تصرح الآيات الكريمة جارية مع سيد النبيين –صلى الله عليه وآله-، فنقرأ في الآية ۱۰٥ من سورة النساء قوله سبحانه وتعالى:
"إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ"
وهذا المقام يجري لاولي الأمر –عليه السلام- من الاوصياء المعصومين لرسول الله –صلى الله عليه وآله- كما تصرح بذلك الآية الكريمة ۸۳ من سورة النساء نفسها التي تأمر بالتحاكم الى رسول الله وأولي الامر بعد أن اوجبت الآية ٥۹ من هذه السورة المباركة طاعة الرسول وأولي الامر وأمرت بالتحاكم الى الله ورسوله –صلى الله عليه وآله- فيما أمرت الآية ۸۳ بالتحاكم الى رسول الله واولي الامر في اشارة بليغة الى ان عندهم حكم الله وحكم رسوله –صلى الله عليه وآله-، نتأمل معاً في هذه الآية بعد قليل فابقوا معنا مشكورين.
قال الله تبارك وتعالى في الآية ۸۳ من سورة النساء:
"وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً"
اذن فمعرفة حكم الله يحتاج الى الرجوع لأولي الامر المعصومين القادرين على استنباطه من القرآن الكريم بمعونة ما أراه الله لرسوله الاعظم _صلى الله عليه وآله_، وهذا يعني أن معرفة حكم الله تكون عبر الرد الى ثقلي الهداية معاً، جاء في نهج البلاغة عن باب علوم المدينة النبوية الوصي المرتضى _عليه السلام_:
"وهذا القرآن انما هو خط مسطورٌ بين الدفتين، لا ينطق بلسان ولا بدله من ترجمان وانما ينطق عنه الرجال وقد قال الله سبحانه "فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ"(سورة النساء٥۹)، فرده الى الله ان نحكم كتابه ورده الى الرسول ان نأخذ بسنته"
مستمعينا الافاضل، والحقيقة القرآنية المتقدمة بينتها كثيرٌ من الاحاديث الشريفة نختار منها ما روي في كتابي الكافي وبصائر الدرجات مسنداً عن الامام محمد الباقر –عليه السلام- قال:
"الائمة في كتاب الله امامان"، قال الله تبارك وتعالى:
"وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا" (سورة الأنبياء۷۳)–أي بأمر الله- لا بأمر الناس، يقدمون امر الله قبل أمرهم وحكم الله قبل حكمهم، وقال سبحانه "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ" (سورة القصص٤۱) [فهم] يقدمون أمرهم قبل أمر الله وحكمهم قبل حكم الله ويأخذون بأهوائهم خلافاً لما في كتاب الله".
ونقرأ ايضاً في كتاب الكافي قول سيد الوصيين الامام علي –عليه السلام- ضمن خطبة طويلة:
"لو كنتم قدمتم من قدم الله وأخرتم من أخر الله وجعلتم الولاية حيث جعلها الله ما عال ولي الله... ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولا تنازعت الامة في شيء من امر الله الا عندنا علمه من كتاب الله".
وفي الكافي ايضاً عن الامام الصادق –عليه السلام- قال: "الحكم حكمان: حكم الله وحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم الله حكم بحكم الجاهلية".
اعزاءنا المستمعين، والنتيجة التي نحصل عليها من كل ما تقدم أن من الآداب الاساسية لتلاوة القرآن الكريم هو أن لا يعجل المؤمن في تفسير حكم الله فيما يقرأه من الآيات الكريمة بل عليه أن يرجع الى احاديث وبيانات المستحفظين على الكتاب الحكيم الذين أراهم الله حكمه بصورة مباشرة او عبر النبي الاكرم –صلى الله عليه وآله-، وهم أهل بيت النبوة وابواب مدينة العلوم المحمدية –عليهم صلوات الله-.
وبهذه النتيجة ننهي احبتنا حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمه)، استمعتم له مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران... تقبل الله اعمالكم وفي امان الله.